الترجمة ووضعنا في العالم

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في إحدى ندوات معرض القاهرة للكتاب الذي اختتم مؤخراً قال أحد المستشرقين الألمان إن نسبة المترجم إلى الألمانية، سنوياً، من العربية نحو 3%، ومعظم هذا المترجم ينتمي إلى حقل الأدب، وهذا المعدل تزايد بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب.

هناك بالطبع من سيسارع بالتعليق على ضآلة ما يترجم من لغتنا إلى الألمانية، ويقول نحن نستحق أكثر من ذلك، وهناك من سيبحث عن نصيبنا في الترجمة إلى اللغات الأخرى الأقل شهرة من الألمانية، وهناك من سيتناول المسألة من زاوية المركزية الثقافية. فنحن نحرص على الترجمة من وإلى اللغتين الأكثر انتشاراً، الإنجليزية والفرنسية، ولكن السؤال المهم هنا ماذا لدينا لكي نترجمه ونقدمه للعالم بوصفه يعبّر عنا، عن ثقافتنا وهويتنا وروحنا أو يعبر عن انخراطنا في العالم وتفاعلنا معه؟.

إن أي نص يستحق الترجمة لا بد أن يتوافر له أحد الشرطين السابقين، إما أن يكون نصاً معبراً عن روح الثقافة، أو نصاً يشكل إسهاماً في قضايا العالم ككل، سياسية أو اقتصادية أو فلسفية.

الآن لا يوجد إجماع أو شبه اتفاق بين المثقفين العرب على ذلك النص الراهن الذي يصور روح الثقافة العربية: تقاليدها وعاداتها وأحلامها وتطلعاتها وما تمور به مجتمعاتنا من تغيرات، وما تمر به من تحولات. لقد رحلت نخبة الأدباء العرب ولم تنتج الساحة نخبة أخرى، والأمر لا يقتصر على الأدب: شعر ورواية، ولكن الفكر أيضاً، لم يعد هناك من يثير قضايا فكرية قابلة للجدل والنقاش، أي أن النص العربي المعبّر عن روحنا شبه غائب. أما النص العربي الآخر والذي نشارك العالم من خلاله همومه وقضاياه فهو بدوره غائب، فلا يوجد عمل علمي أو سياسي أو اقتصادي عربي بتماسّ مع الساحة الدولية.

الترجمة مسألة كاشفة للذات قبل أن تكون مدخلنا إلى الآخر، وهي عملية شديدة التعقيد تلخص وضع الذات الحضاري والعلمي ورؤيتها لنفسها بالدرجة الأولى، فعندما يوجد لدى الأمة علم وثقافة سيتسابق الآخرون للتعرف إليها، ولن تسعى هي إليهم، حدث ذلك قديماً عندما قامت حركة الترجمة في أوروبا على قدم وساق لنقل العلوم العربية خلال فترة النهضة.

ماذا يوجد لدينا، في الراهن، لكي نقدمه للآخر؟ سؤال محرج وإشكالي في الوقت نفسه، وهل المسألة تتعلق بقصور في التعريف بأنفسنا؟ أم أن الأمر يحتاج إلى مراجعة طويلة وحقيقية لوضعنا العلمي والثقافي ونظم تعليمنا ورؤيتنا للنخب وقدرتنا على النقاش والحوار. وهناك تلك المعضلة التي واجهتنا باستمرار ولم نستطع تجاوزها، وهي قدرتنا على الانخراط في قضايا العالم، فحتى الآن تبدو نخبتنا غير معنية إلا بمشاكلها وكأنها تعيش داخل شرنقة ضيقة لا علاقة لها بما يدور خارجها.

الترجمة ليست نقل كتاب أو اثنين إلى هذه اللغة أو تلك، ولكنها تلك العملية الطويلة والمعقدة والتي تعبّر في النهاية عن وضعنا الحضاري وعلاقتنا بالعالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2p8duk5c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"