الحرب تتوسع والفجوة تتسع

00:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

توسعت الحرب واتسعت الأزمة وأصبح الإقليم على صفيح ساخن، خرجت الحرب عن حدود غزة، وتجاوزت مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة، ولم يعد طرفاها الجيش الإسرائيلي وجماعة حماس، إنما انضمت أطراف أخرى مجاورة وغير مجاورة. الكل يتوعد ويهدد. البعض يقول إن هدفه وقف إطلاق النار في غزة، والبعض يستهدف تأديب «الخارجين» عن إرادته ومحوهم من الوجود، وكأن 130 يوماً من القتل والإبادة والتخريب لا تكفي لتحقيق الهدف وتأكيد «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

توسُّع الحرب يؤكد أن الدبلوماسية في زمن الحروب مهمتها فقط منح بعض المسكنات للرأي العام العالمي أملاً في تخدير إرادته وتخفيف حدة الأذى النفسي الذي يلحق به من مشاهد القتل المجاني للأطفال والتهجير القسري للأسر والتجويع الجماعي لمن تخطئ الطريق إليهم الصواريخ القادمة من كل اتجاه وقاذفات المدفعية الذاهبة إليهم في المنازل والمخابئ، والحصار اللاإنساني لكل كائن حي فوق الأرض المغضوب عليها بسبب تمرد بعض أبنائها على حصار امتد لسنوات والحرمان المتعمد من كل وسائل العيش ومقومات الحياة. دبلوماسية التخدير تريد أن تفقد الإنسان إنسانيته ويصبح كائناً لا تحركه مشاهد انتهاك إنسانية الآخرين، وأن تصبح المشاهد المرعبة القادمة من غزة والمتجولة حول العالم في الفضاء الإلكتروني، مشاهد وهمية في فضاء، يكون وهمياً عندما يريدون ويكون حقيقياً عندما يحمل مضموناً يتوافق مع رؤاهم ويروج لمصالحهم!.

كل الدبلوماسيين حول العالم طالبوا بعدم السماح بتوسع الحرب واتساع دائرة العنف، وتجاوز هذا المطلب حدود الدبلوماسية وكان مادةً للتصريح لدى الكثير من وزراء الدفاع وقادة الحروب ومُنظّري الإعلام العالمي، وأصبح هو المطلب الذي يتسيّد المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات ومساحات الإعلام التقليدي والحديث، ولكن الواقع مختلف، جماعات مسلحة وميليشيات تسعى للانتقام من إسرائيل وأمريكا في البحر الأحمر وفي قواعد عسكرية أمريكية بالمنطقة، وفي المقابل يأتي الرد مضاعفاً من أمريكا وحلفائها، والنتيجة الحرب تتوسع والفجوة تتسع، ودوائر الفعل ورد الفعل تتواصل حتى تظل النار مشتعلة، لا بل يمكن أن يزيدها اشتعالاً ويمددها إلى مناطق جديدة.

المتابع للتصريحات الأمريكية منذ السابع من أكتوبر الماضي يجدها تركز على جزئيتين، أولهما هو «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» وهو المبدأ الذي دافعت عنه واشنطن رئاسياً ودبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، دعم بالمال والسلاح، و«فيتو» جاهز في مجلس الأمن للتصدي لأي مطالب دولية لوقف الحرب، ودبلوماسية تشكّك في كل من يحاول دفع إسرائيل لوقف الحرب حتى ولو كان ذلك عَبر القانون الدولي وعبر محكمة العدل الدولية؛ أما الجزئية الثانية فهي العمل على عدم توسع نطاق الحرب وامتدادها إلى دول أخرى في المنطقة، وهو الأمر الذي بذلت لأجله الولايات المتحدة الكثير من الجهد الدبلوماسي عبر السعي لعدم دخول أية أطراف خارجية على خط الصراع، والجهد العسكري بالتهديد والوعيد لكل من يفكر في هذا الأمر، والإعلان الصريح أنها هي التي ستتصدى لكل من يطلق قذيفة تستهدف مصالح إسرائيل أو مصالح واشنطن.

من حق الولايات المتحدة الدفاع عن مصالحها في المنطقة، ولكن من واجبها أيضاً أن تراعي مصالح دول المنطقة التي تأثرت سلباً جراء هذه الحرب، ومن واجبها أن تدرك أن السبيل الأوحد لحل هذه الأزمة الممتدة للشهر الخامس هو وقف الحرب على قطاع غزة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية من دون قيود.

أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي زار المنطقة خمس مرات منذ السابع من أكتوبر، ناهيك عن زيارات الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع لويد أوستن قبل مرضه ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والعنوان الرئيسي لمعظم الزيارات في البداية هو منع توسّع الحرب ودعم إسرائيل، ومؤخراً أصبح العنوان السعي لهُدن إنسانية تضمن الإفراج عن المختطفين وإدخال المساعدات، وقد نجحت أمريكا في تحقيق هدف دعم إسرائيل بامتياز، حتى ولو كان ذلك على غير رغبة قطاع لا يستهان به من الأمريكيين، ولكنها أيضاً فشلت بامتياز في عدم توسيع الحرب، بل وأصبحت طرفاً أصيلاً فيها، وأصبحت قواعدها ومصالحها في المنطقة هدفاً لميليشيات مسلحة في أكثر من دولة، كما فشلت بامتياز في فرض الحد من استهداف إسرائيل للمدنيين الذي طالبتها به مراراً، كما فشلت بامتياز في فرض أي هدن على إسرائيل، بل وأصبحت واشنطن هدفاً لليمين الإسرائيلي المتطرف الذي تجاوز وزراءه على الرئيس الأمريكي شخصياً، وسيزداد الهجوم على واشنطن وقد لا تفيق لحقيقة أن إسرائيل، الابن المدلل الذي اعتاد أن يأخذ بلا مقابل، واعتاد عدم الاستماع إلى «والديه»، لا بد أن ينقلب عليهما يوماً ويسقيهما من الكأس المر، إلا بعد فوات الأوان.

دائرة العنف في المنطقة تتسع يوماً بعد يوم، والضربات الأمريكية على أهداف في أكثر من دولة لن توقف استهداف مصالحها، وأمريكا تعي ذلك، وتدرك قبل غيرها أن القضاء على العنف لن يتحقق سوى بوقف الحرب، ولكن يبدو أن الابن المدلل خرج عن السيطرة ولا يريد وقفاً للحرب إلا بعد إحراق المنطقة وإشعال العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n8kb3h8

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"