حرب أوكرانيا في عامها الثالث

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

سقوط أفدييفكا الأوكرانية في أيدي القوات الروسية، وهي إلى الشمال الغربي من دونيتسك، شكلت في الأيام الأخيرة تحولاً كبيراً في مسار الحرب التي دخلت عامها الثالث، من دون أي أفق لنهايتها، ووضع حدّ لفتيل الصراع المشتعل.

سنتان من الحرب ختمتهما روسيا بانتصار استراتيجي في مدينة أفدييفكا التي اعتبرها المراقبون واحدة من أهم الحصون العسكرية في أوكرانيا. ويبدو أنّ هذا الانتصار دفع الغرب إلى الاعتراف بأنّ روسيا تحقق انتصارات ميدانية، وأن الحليف الأوكراني لن يستطيع الصمود في وجه الجيش الروسي. ولابدّ من الإشارة إلى أن الغرب برأسيه، الأمريكي والأوروبي، قد أحجم في الفترة الماضية عن الاستمرار في تمويل الحرب العبثية التي تم توريط نظام كييف فيها. الرئيس بايدن لام الكونغرس على تأخره في المصادقة على خطة تمويل الحرب التي طلبها البيت الأبيض، والأوروبيون منقسمون بشأن الاستمرار في حرب لا يعرف لها نهاية، خاصة بعد أن أدركت أوروبا أنها أخطأت حينما فرضت عقوبات على موسكو كان من بين آثارها احتجاجات اجتماعية قوية في مختلف الدول الأوروبية، كانت آخرها ثورة المزارعين المحتجين على رفع الدعم عن الطاقة.

يبدو أن ورطة الغرب أكبر من ورطة نظام كييف نفسه الذي بات يعترف، هو أيضاً، بأن الوضع في الشرق بات شديد التعقيد، وأنّ الجيش الأوكراني بات يعاني. فقد أقر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي بأن قواته تواجه وضعاً معقداً جداً في بعض نقاط الجبهة، مع تأثير تأخر المساعدات العسكرية الغربية في الوضع الميداني. وقال زيلينسكي إن «الوضع بالغ الصعوبة في أجزاء عدة من خط الجبهة، حيث حشدت القوات الروسية الحد الأقصى من الاحتياطيات. يستغلون التأخر في مساعدة أوكرانيا». وأشار زيلينسكي إلى أن بلاده تعاني نقصاً في قذائف المدفعية، وتحتاج إلى أنظمة دفاع جوي على خط الجبهة، وأسلحة أبعد مدى. ولم تكتف القوات الروسية بما حققته من تقدم على الجبهات، بل إنها أعلنت أنها وجهت ضربة قاصمة للواء 108 المتمركز في دونيتسك، ما يؤشر إلى بداية تساقط المدن الأوكرانية الواحدة تلو الأخرى في قبضة الجيش الروسي.

وبعد أن تدخل الحرب عامها الثالث، يطرح سؤال مهمّ حول الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الأوكراني؟ وأي ثمن دفعته الشعوب الأوروبية التي اضطرت لقبول نحو 11 مليون لاجئ أوكراني، فاقموا الوضع الاقتصادي المتأزم في أوروبا.

ربما كانت أوكرانيا هي بالون اختبار غربي لقدرات روسيا العسكرية، وتحت الضغط لم يستطع هذا البالون الصمود طويلاً، فانفجر مخلفاً مآسي للجميع. أوكرانيا هي ضحية سياسات غربية غير مدروسة، وهي ضحية مغامرات سياسيين عديمي الكفاءة سواء محلياً، أو حتى من الشركاء الغربيين. وفي الجهة المقابلة، أظهرت روسيا أنها قادرة على وقف تمدد حلف الناتو شرقاً، وهي قادرة أيضاً على إعادة ضم أجزاء من جمهوريات الاتحاد السوفييتي إلى أراضيها، والأهم من هذا، أنّ روسيا خرجت منتصرة في بداية العام الثالث للحرب على أوكرانيا، وهي تستفيد من تضارب مصالح الدول الغربية، وتستفرد بأوكرانيا. وتحقق انتصارات استراتيجية كبرى لن يكون بإمكان الغرب وحلف الناتو مستقبلاً، التحكم في مساراتها، فكل دول أوروبا الشرقية هي الآن تحت التهديد الروسي، والمثال الأوكراني ما زال قائماً.

من يستطيع كبح جماح الرئيس الروسي بوتين؟ يبدو أنه لا أحد قادر على التصدي لروسيا، ولرئيسها الذي يتجنب الإكثار من الكلام، ولا يظهر إلا وقد حقق انتصارات ميدانية تربك الغرب. وحتى الإدارة الأمريكية منشغلة بسباق الانتخابات الرئاسية، ولو عاد إليه ترامب، لقلنا، استباقياً، إنّ أوكرانيا برمتها ستصبح مهددة في وجودها.

ونحن نعايش دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، لا بدّ من القول إنّ الصراع الغربي ضدّ «الأمة السلافية» الذي تم تحديده في الخطة الاستراتيجية لحلف الناتو للعشرية 2020 – 2030، قد انتكس في أولى محطاته، وانتصار روسيا في أوكرانيا هو التحول الاستراتيجي الأهم الذي سيؤسس لمستقبل العلاقات الدولية. إن الخطة الاستراتيجية لحلف الناتو التي يدعمها الديمقراطيون في أمريكا، ستشهد انتكاسة جديدة لو عاد ترامب إلى الحكم مرة ثانية، لأنّ الرئيس الأمريكي السابق، والمترشح من جديد للرئاسة، له مواقف حاسمة من حلف الناتو، وكان قاب قوسين أن ينسحب منه. وفي كل هذه المستجدات هناك رابح واحد وهو الرئيس الروسي بوتين الذي استطاع إفشال الهجوم الأوكراني المضاد، وبدأ بالزحف غرباً على أوكرانيا المتهالكة، عسكرياً واقتصادياً، فيما ينشغل الغرب بمشاكله، بعد أن ورّط نظام كييف في حرب عبثية.

وفي هذه اللحظة التاريخية المفصلية، سيكون أمام الغرب خيار وحيد، فإما الاستمرار في دعم كييف إلى ما لا نهاية، وإما قبول انتصار روسيا، وهذا سيعني أن أوروبا المجاورة ستكون في مرمى النيران الروسية، بل ومحرومة من مصادر طاقة كانت إلى وقت قريب تستفيد منها بأبخس الأثمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mr6mpvfw

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"