عادي
المؤلف عدّل في بناء إحسان عبد القدوس بإضافات دون تشويه

«أنف وثلاث عيون».. فيلم جديد باسم قديم

23:34 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

العنوان ينشّط ذاكرتك ويعيدك مباشرة إلى رواية الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، فمن منا لا يعرف أن «أنف وثلاث عيون» هي إحدى روائعه؟ ومن لم يرَ أو يعرف الفيلم الذي قدمه المخرج حسين كمال عام 1972، مسنداً البطولة إلى الراحل محمود ياسين، ومعه ماجدة الصباحي، ونجلاء فتحي، وميرفت أمين؟ وهذا العام، أراد المؤلف وائل حمدي ومعه المخرج أمير رمسيس إعادة إحياء الرواية لا الفيلم، والفرق كبير، فهناك من يعيد تقديم رواية مرتكزاً إلى ما عرض منها على الشاشة، أكثر من اعتماده على الرواية نفسها، لكن من شاهد النسخة الحديثة من «أنف وثلاث عيون» يتأكد من أنها نسخة مختلفة، لا تشبه القديمة إلا بالاسم، بينما الأحداث تمشي باتجاهات مختلفة وبرؤية جديدة، بل تعيد خلط الأوراق لتقديم القصة بتحليل نفسي ومنطقي، وبمنح مساحة أكبر لشخصيات، ويقلص مساحات شخصيات.

طبيعي أن تكون القصة التي تحمل توقيع أحد الكتّاب الكبار هي البطل الأول، وهي التي تمهّد الطريق أمام المخرج ليبدع في تقديمها برؤية فنية تليق بها، كما تمنح الممثلين الفرصة لتقديم أفضل ما لديهم من أداء؛ هكذا حوّل المخرج حسين كمال «أنف وثلاث عيون» إلى عمل فني لاقى نجاحاً عام 1972، واعتبر من الأفلام المميزة في السينما العربية، وكان من السهل على المؤلف وائل حمدي الاعتماد على الرواية الأصلية، وإعادة كتابتها سينمائياً، مع تعديلات وإضافات بسيطة، معتمداً على المخرج أمير رمسيس، ليضع لمسته الفنية، فيبتكر ويتفنن في الإخراج ليبتعد بالشكل عن الفيلم الأول، لكنه لم يفعل ذلك، بل عمل كأنه فصّص القصة، وسأل نفسه ماذا لو تحركت الشخصيات من مواقعها، كيف تتصرف وما الذي جعل من الدكتور هاشم رجلاً «لعوباً» عازفاً عن الزواج حتى تجاوز الأربعين من العمر؟

الصورة

جريء وائل حمدي بتحريك الشخصيات وفق مفهوم مختلف، وتحليل جديد لها، وإضافة شخصية الطبيبة النفسية التي تدفع باتجاه تبرير ما يقوم به البطل، وتصرفاته، ومشاعره، وقلقه من الاستمرار في أي علاقة حتى النهاية.. جريء بتجاوزه النسخة الأصلية لتقديم عمل موازٍ ل«أنف وثلاث عيون»، ففي النسخة الأولى كانت أمينة، أو مينو، والتي أدتها ماجدة الصباحين هي الشخصية الرئيسية والحاصلة على أكبر حصة من المشاهد في العمل، وهي الضحية الأولى للدكتور هاشم (محمود ياسين)، والتي يعود ليتابع مسارها، ويختم بها آخر لقطة؛ تليها نجوى (نجلاء فتحي) في التسلسل الدرامي وفي المساحة على الشاشة، وهي الوحيدة التي فكّر البطل في الارتباط بها، وقدّمها لأسرته، وحلم بتأسيس أسرة معها، لكنها صدمته بحقيقة زواجها العرفي، ثم تظهر رحاب (ميرفت أمين)، الفتاة العشرينية التي لعبت بهاشم، وبمشاعره، وردّت له الصفعة، وهي الأصغر مساحة وظهوراً.. أما في النسخة الحديثة فرحاب أو «ربى» (سلمى أبو ضيف)، هي الرئيسية والممتد حضورها إلى الآخر، أو قبله بقليل فقط، وهي التي تدفع بالدكتور هاشم (ظافر العابدين)، إلى الاتصال بالطبيبة النفسية عليا (صبا مبارك)، وهي صديقة أخته، ليبدأ معها جلسات علاج تسمح له، ولنا، بفهم ما الذي يدور في ذهنه ولماذا؟

الصورة

ميزة النسخة الجديدة

القصة نفسها، طبيب مشهور وناجح تجاوز الأربعين عاماً، وما زال يقيم العلاقات، ثم يهرب حين تصل إلى مرحلة مطالبة حبيبته بالزواج، مردداً جملته «أنا مش بتاع زواج»؛ ميزة النسخة الجديدة أنها توضح طبيعة مهنة هذا الطبيب، فهو جراح تجميل، وتأخذنا إلى عمق الشخصية، فنحللها ونفهمها، بينما في النسخة الأولى برزت بشدة مشاهد العلاقات الغرامية والقبلات، والتي خلا منها الفيلم الحالي، سابقاً كانت الجرأة في تلك المشاهد كبيرة، بينما استبدلها اليوم الكاتب والمخرج بالجرأة في إعادة تغيير مصائر الشخصيات، وترتيبها في حياة هاشم. رحاب هي صاحبة النصيب الأكبر من القصة والمشاهد، وهي التي تعيد تحريك مشاعر الدكتور، والفتاة العشرينية مفعمة بالحيوية فيتعلق بها هاشم الذي يكبرها بنحو 26 عاماً، ويحاول مجاراتها والخروج معها ومع أصدقائها، لكنه يشعر بخوف منها وعليها. والميزة الأخرى أن هاشم وحسناواته من أهل الزمن المعاصر، رحاب ينادونها ربى، تتولى مسؤولية حسابات وصفحات الدكتور هاشم على السوشيال ميديا، حوارها معه يحمل الكثير من عبارات جيل اليوم «بلح» و«قشطة».. فضلاً طبعاً عن الشكل والملابس؛ بعفويتها وحيويتها تعيد الشباب إلى قلب وروح هاشم، فيتعلق بها لدرجة أنه لم يعد يتحمل الابتعاد عنها، لذلك يقرر إخراجها من حياته وبشدة، من دون أن يفهم لماذا؟ هل بسبب الفرق الكبير بينهما في السن؟ لذلك يقرر اللجوء إلى الطبيبة النفسية عليا، والتي تفتح لنا أبواب شخصية هاشم، نكتشف أسرته، والدته التي كانت مصدر السعادة والبهجة في حياته، وحياة شقيقته، مرضت فجأة وسريعاً توفيت، ما جعلهما ينتقلان للعيش مع جده وجدته.. ومن خلال التحليل النفسي -بحسب رؤية الكاتب- نفهم سبب هروب هذا الرجل من فكرة الارتباط بمن يحب، خوفاً من خسارتها يوماً، وهو خوف باطني يحركه، ويتحكم فيه.

الضحية الجديدة

ظهور شخصية أمينة (نورا شعيشع) سريع في هذا العمل، ونراها من حيث انتهت حكايتها مع هاشم، حيث أصبحت فتاة ليل مدمنة كحول، تلتقيه صدفة في المطعم أثناء وجوده مع رحاب فتفضحه، وتواجه «ضحيته الجديدة»، على عكس أمينة التي رأيناها في النسخة الأولى لم ترفع صوتها يوماً، ولم تواجه نجوى حين رأته معها، واكتشفت خيانته لها، تطور منطقي للشخصية؛ أما نجوى (أمينة خليل) فتلتقيه صدفة في عيادة دكتورة عليا، الوحيدة التي أحبها وطلب الارتباط بها، وبفضل العلاج النفسي يتغير هنا مصير الشخصيتين فيتمكن هاشم من مواجهة ماضيه والتخلص من الحلم الكابوس الذي بقي يطارده منذ طفولته، والتصالح مع نفسه، وهو ما يظهر في الختام السعيد للفيلم.

شخصيات عدة ظهرت في مشاهد ثانوية لكنها كلها لعبت دوراً في تجسيد مرحلة من مراحل حياة البطل، كما رسم السينارست وائل حمدي، عالماً كاملاً للطبيبة عليا، والدتها (سلوى محمد علي)، ووالدها (نبيل ماهر)، يعيشان بهدوء ومازال الحب والتفاهم بينهما قائماً، نموذج إيجابي للعلاقة الزوجية السويّة، بينما ابنتهما عليا امرأة مطلقة وتحافظ على علاقة احترام وتفاهم مع طليقها (نور محمود)، وتتولى تربية ابنها (سليم مصطفى)، وتفشل في المقابل في علاقتها مع صديقها (صدقي صخر).. يقدم الكاتب نماذج متنوعة من العلاقات ليست قائمة كلها على الفشل، وليست محصورة بعالم الضياع والخداع.. نظلمه إذا قارناه بالنسخة الأولى من الفيلم، وبالرواية الأصلية لمؤلفها، فهو انطلق من البناء الذي أسسه إحسان عبد القدوس وأجرى تعديلات تضيف للبناء، من دون تشويهه، واللافت أنه لم يقدم الطبيبة النفسية باعتبارها مثالية، بل حياتها الشخصية ومشاعرها متذبذبة، بينما تعيش في كنف والدين يعيشان قصة حب منذ عشرات السنين، وهي أيضاً تذهب إلى طبيب يبدو أنه أستاذها في الطب النفسي تستشيره، ويعالجها.

ظافر العابدين مناسب لدور هاشم، شكلاً وأداء، صبا مبارك جيدة، لكن الأكثر تألقاً وتميزاً هي سلمى أبوضيف، التي تفوقت على كل الأبطال، وضيوف الشرف، بحضورها، وحيويتها، وأدائها.

ما كان ينقص العمل حتى يصل إلى مرحلة الإبهار والإمتاع الحقيقي، هو الإخراج، أمير رمسيس تعامل مع القصة باعتبارها قطعة كلاسيكية أقرب إلى الدراما الاجتماعية التي نشاهدها في المسلسلات، فجاء الفيلم هادئاً بنفس إيقاع الدراما التلفزيونية لا بشغف السينما وإبهارها البصري القادر على جذب الجمهور أكثر وترك بصمة أكبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4v67v8u7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"