البرازيل ومستقبل النفط والغاز

21:39 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

حتى وقت قريب، كانت البرازيل من بين حفنة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط خارج تكتل «أوبك بلس» (مع أمريكا وكندا وغويانا الدولة الكاريبية الصغيرة التي انضمت في السنوات القليلة الماضية إلى نادي الدول المنتجة والمصدرة للنفط). لكن البرازيل اختارت الانضمام مؤخراً إلى التكتل النفطي الأقوى في العالم: «أوبك بلس»، إنما من دون الالتزام بنظام حصص الإنتاج في المرحلة الأولى. وبقدر ما هي قوة نفطية عالمية كبرى صاعدة، فإن البرازيل هي أيضاً من لوبيات المناخ الرئيسية في العالم. ويتنازع لوبي المناخ مع لوبي النفط لفرض أجندة التنمية الوطنية في البلاد. وبعودة لولا دا سيلفا إلى الرئاسة يأمل لوبي المناخ البرازيلي في عكس سياسة الرئيس السابق بولسونارو المعادي لقضية المناخ على نحو سافر. لكن مهمة الرئيس لولا تبدو صعبة للغاية. فقد واجه منذ البداية انتقادات من جانب المناخيين والبيئيين على ما اعتبروه ضعفاً في التزام الحكومة القوي بالقضايا المناخية والبيئية، وعدم إظهار الحزم الكافي ضد البرلمان الذي أضعف عملياً صلاحيات وزيرة البيئة وتغير المناخ مارينا سيلفا، وجردها من الأدوات اللازمة لحماية موارد المياه، ومنع الاستيلاء على الأراضي، وإبطاء إزالة الغابات.

في الصراع بين لوبيات البيئة ولوبيات الهيدروكربون (النفط والغاز والفحم)، كانت الأخيرة كثيراً ما تضع الأولى في مرتبة أدنى من الاهتمام وتنفيذ السياسات. وسترتفع كفة مصالح الهيدروكربون على حساب مصالح البيئة والمناخ في ضوء خطط توسع القطاع النفطي البرازيلي. فقد ارتفع إنتاج البرازيل من النفط في عام 2022 إلى 3 ملايين برميل يومياًَ (معظمها من حقول النفط البحرية العميقة)، يُتوقع أن يرتفع إلى 5.4 مليون برميل في عام 2029، ما سيجعل اقتصادها أكثر ارتباطاً بالوقود الأحفوري، ويزيد من نفوذ شركة النفط الوطنية البرازيلية «بتروبراس» في الاقتصاد وتقرير السياسات الاقتصادية الوطنية البرازيلية، في ضوء بيع وكالة البترول الوطنية (ANP) حقوق الحفر في 602 منطقة استكشافية، كثير منها في مناطق محمية في الأمازون، ما قد يؤثر في أراضي السكان الأصليين في المنطقة. نحن نتحدث عن عمالقة المال وعمالقة البزنس النفطي مثل «أكسون موبيل»، و«BP»، و«بلاك روك»، و«جي بي مورغان تشيس»، فضلاً عن مصالح اللوبيات البرازيلية مثل شركة «بتروبراس»، وبنك الاستثمار البرازيلي «BTG Pactual»، التي استفادت من فتح السوق على مصراعيه من قبل الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو.

رداً على الطفرة النفطية والغازية المقبلة عليها البرازيل، فقد كثفت لوبيات المناخ والبيئة البرازيلية من ضغوطها على مصالح الصناعة النفطية، بما في ذلك تقدم 61 منظمة مجتمع مدني بمقترح يقضي بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بما يشمل خفض عمليات استكشاف وحرق الوقود الأحفوري بنسبة 43% على الأقل بحلول عام 2030، و60% بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2019. وهناك جهود محلية أخرى تتضمن مناقشات لوضع بدائل أخرى حول الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للزراعة الإيكولوجية والحراجة الزراعية. وقد سلم الاقتراح للرئيس البرازيلي وإلى وزارات الطاقة والمناجم والشؤون الخارجية والبيئة وتغير المناخ. شركات النفط البرازيلية، مثل «بتروبراس»، لم تشأ إبداء ما يشي باعتراضها على هذا التوجه التحولي الطاقوي الراديكالي، وإنما على العكس أرسلت ما يفيد استعدادها للتوافق مع المبادرة، إذ أعربت عن عزمها لأن تكون رائدة في مجال الديزل المتجدد والوقود الحيوي، بما يمكن أن يسهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 70%.

في شهر مايو 2023، نشر البنك الدولي تقريراً خاصاً بالمناخ والتنمية في البرازيل، حث حكومتها على تبني خطة زراعية تقوم على زراعة ذات إنتاجية غذائية عالية على مساحة أقل من الأراضي، على أساس أن «الصدمات» المناخية التي يتحدث عنها تقرير البنك، ستدفع ما بين 800 ألف إلى 3 ملايين برازيلي إلى الفقر المدقع بحلول عام 2030، وإن البنك مستعد للعمل مع الحكومة البرازيلية، كما يقول التقرير، لتحقيق أهدافها الإنمائية بالتزامن مع العمل على مكافحة تغير المناخ.

الغريب أن مؤسسات النظام الاقتصادي الدولي التقليدي، تعتقد أنها لا زالت تحوز امتياز ممارسة الوصاية على الدول النامية، حتى لو كانت بحجم البرازيل. فكيف للبنك الدولي أن يرشد دولة البرازيل إلى الطريق التنموي المناسب لها، وهي التي تمتلك خبراء في مجال التنمية وتحول الطاقة والمناخ ومفاوضات تحرير التجارة العالمية (شغل البرازيلي روبرتو أزيفيدو منصب مدير عام منظمة التجارة العالمية من 2013 إلى 2020، حيث استقال قبل سنة من انتهاء ولايته كي يتفرغ كما قال لمنافسة جايير بولسونارو على رئاسة البرازيل في 2022)، أكثر وأكفأ من خبراء البنك الدولي.

*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2wduu4e7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"