عادي
الذكاء الاجتماعي

طوّر ذاتك

23:55 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
الذكاء الاجتماعي كالأخلاق، منه ما هو فطري، ومنه ما يكون بالاكتساب والترويض.

كما أن الأخلاق الفطرية قابلة للتنمية، والتوجيه، والتعديل، والتهذيب، بالتعليم والتدريب عليها، وممارستها في الحياة؛ حتى تكون سجية وملَكة، فلا أحد يولد ذكياً اجتماعياً، بل إنه يكتسب مجموعة من المهارات التي تساهم في تعزيز ذكائه الاجتماعي وتنميته.

ولذا قال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم:«إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلم بالتحلُّم، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطه، ومن يتوقَّ الشَّر يوقه». وجاء بصيغة التفعّل التي تقتضي التكرار والمواظبة والمداومة على الشيء، فإذا تكلّفه الإنسان واستدعاه صار سجية له كما في الحديث: «ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبّر يصبره الله»، فلا يزال الإنسان يتكلّف التصبّر حتى يصير الصبر له سجيّة، وكذلك سائر الأخلاق الحسنة الفاضلة يمكن أن تكتسب بالممارسة من خلال مداومة الإنسان على اكتسابها لتكون «هيئة في النفس راسخة؛ عنها تصدر الأفعال بسهولة، ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية».

أطلق الروح لتسمو واروِ فيك الخير ينمُ

وفي الحديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال للأشج عبد القيس:«إن فيك لخلقين يحبّهما الله ورسوله: الحلم والأناة»، فقال: يا رسول الله: أخلقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ قال:«بل جبلك الله عليهما»، فقال: «الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله».

وقال الله تعالى: «وهديناه النجدين»، أي: خلقنا الإنسان وفق فطرة سليمة مدركة لطريق الخير وطريق الشر، فالإنسان بعقله السليم يستطيع اكتساب الأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة، من خلال التمييز بينها وبين الأخلاق السيئة، والصفات الذميمة.

سُئل ابن المقفع: من أدّبك؟ قال: «نفسي»! قيل: أيؤدب الإنسان نفسه؟ قال: «إذا رأيت في غيري حسناً أتيته، وإذا رأيت قبحاً اجتنبته؛ وبهذا أدّبت نفسي».

وكما قال الله تعالى: «ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها». وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا». والحديث يدل على أن الناس بينهم فروق، كما توجد فروق في المعادن.

وفي الحديث: «إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب».

ومن هذه النصوص نستنتج أن الفطرة من مصادر الأخلاق، بمعنى أن الله أوجد في النفس الإنسانية أخلاقاً في أصل خلقتها، وترسخ وتقوى بما يناسبها من أعمال كسبية، وتضعف وتذوي وتتلاشى بالإهمال، أو باكتساب ما يضادّها من أخلاق.

وهذا واقع نعيشه ونشاهده من أحوال الناس، فنرى في البيت الواحد، الهادئ والعصبي، والحليم والغضوب.

وهذا ليس مُبرِّراً لأن ينساق الإنسان وراء طبع سيئ جُبل عليه، لأن الدنيا دار امتحان ومُجاهدة، والفلاح والخسران إنما يكون بمُخالفةِ الهوى أو الانسياقِ له.

فلا بد أن يزكّي الإنسان نفسه، كما قال الله تعالى: «قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها»، أي: طهّر نفسه، ونقاها من العيوب، ورقّاها بطاعة ﷲ ومرضاته.

ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها». وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يستعيذ بالله ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء».

والذكاء الاجتماعي يمكن اكتسابه من التربية السليمة القائمة على غرس القيم والمبادئ الأخلاقية الصحيحة، ومن البيئة المحيطة، وبمراقبة الآخرين، والتعلم منهم، والاستفادة من المهارات الاجتماعية للأشخاص من حوله. قِيل لحليم العرب الأحنف بن قيس: «ممّن تعلمتَ الحِلم»؟ فقال: «من قيس بن عاصم، رأيتُه قاعداً بفناء داره، محتبياً بحمائل سيفه، يُحدِّثُ قومه، حتى أُتِيَ له برجلٍ مربوطٍ ورجلٍ مقتول، وقالوا: هذا ابن أخيكَ قتلَ ابنَك! فما قطعَ كلامه ولا اهتزَّ، ولما انتهى قال لابن أخيه: يا ابن أخي أسأتَ إلى رحمكَ ورميتَ نفسكَ بسهمك! وقال لابنٍ له: قُمْ إلى ابن عمكَ فحُلَّ وثاقه، وادفن أخاكَ، وسُقْ إلى أمّك مئة ناقة دية ابنها، فإنها غريبة في قومها».

ومع ذلك كان الأحنف بن قيس يقول: «لستُ حليماً ولكني أتحلَّم لأُجبر نفسي عليه».

إذاً، أنت أمام مهمة تحتاج منك إلى بذل الجهد والمثابرة نحو التغيير للأفضل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2je85ds6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"