مستقبل نظرية «إقليمان ونظام واحد»

21:24 مساء
قراءة 5 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

تأسست جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وجمهورية كوريا (التسميتان الرسميتان للشمال والجنوب) قبل 75 عاماً، لكنّ كلاً منهما ما زالت رسمياً تعتبر الطرف الآخر كياناً غير قانوني. قد اتسمت العلاقات بين الكوريتين بأنها علاقة متقلبة ومعقدة للغاية، على الرغم من التغييرات في حكومات كوريا الجنوبية. وخلافة السلطة في كوريا الشمالية. وقد وصلت العلاقات بين الكوريتين إلى مستوى منخفض جديد. مع تدهور العلاقات بين الكوريتين بشكل حاد، مما استدعى إطلاق بوينغ يانغ قمراً صناعياً تجسسياً، وتعليق سيؤول اتفاقاً عسكرياً أبرم في العام 2018 كان يرمي إلى نزع فتيل التوتر.

هذه التطورات تهدد أمل التوحيد بين الكوريتين، ففي خلال الجلسة العاشرة لمجلس الشعب الأعلى الرابع عشر في قاعة مانسوديه في بيونغ يانغ في يوم 15 يناير/كانون الثاني دعا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى مراجعة دستور البلاد؛ لتعريف كوريا الجنوبية على أنها الدولة المعادية الأولى. ودعا إلى أن ينص الدستور على تعزيز برامج التعليم؛ لجعل الكوريين الشماليين «ينظرون بقوة إلى كوريا الجنوبية باعتبارها الدولة المعادية الأولى والعدو الرئيسي الثابت، ووضع إجراءات قانونية لتعريف كوريا الجنوبية بأنها ليست نظيرة لبلاده للمصالحة والوحدة.

وفي هذا السياق قام مجلس الشعب الأعلى الشمالي باتخاذ الخطوات التالية:

(1) إزالة جميع رموز المصالحة والتعاون بين الكوريتين،

(2) التنفيذ الفوري والصارم لإجراءات تهدف إلى قطع الاتصالات بين الكوريتين في المنطقة الحدودية بشكل كامل.

(3) تفكيك النصب التذكاري للمواثيق الثلاثة لإعادة التوحيد الوطني الواقع عند البوابة الجنوبية للعاصمة بيونغ يانغ. الذي كان قد تم تشييده في عام 2001 أثناء حكم الزعيم الراحل كيم جونغ إيل، لإحياء ذكرى مقترحات إعادة توحيد كوريا التي قدمها المؤسس الراحل كيم إيل سونغ.

(4) إلغاء ثلاثة كيانات تختص بعملة التوحيد، وهي لجنة إعادة التوحيد السلمي للبلاد، والتي تعمل كقناة رسمية للحوار بين الكوريتين كنظير لوزارة التوحيد في كوريا الجنوبية. ومكتب التعاون الاقتصادي الوطني، المسؤول عن تسهيل التعاون والتبادلات الاقتصادية بين الكوريتين، وإدارة كومكانغسان للسياحة الدولية، التي تشرف على المشاريع السياحية في جبل كومكانغ.

الجانب الآخر من القصة يتمثل في الفوائد الجمة للتوحيد؛ حيث تشدّد تحليلات مراكز دراسات كورية أنه مع افتراض تحقيق الكوريتين للتكامل الاقتصادي أولاً، ثم تحقيق التوحيد لاحقاً في الوقت المناسب، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الموحدة يتوقع أن يحتل المرتبة الثانية بين دول مجموعة العشرين في عام 2050. وأنه من المتوقع إذن أن ينمو اقتصاد كوريا الموحدة باطّراد؛ بسبب أن عدد السكان البالغ 70 مليون نسمة سيوسع السوق المحلية، كما ستتمكن الكوريتان من تخفيض قواتهما العسكرية التي ينفق عليها الطرفان مبالغ ضخمة من الميزانية. ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على الاقتصاد بطريقة إيجابية جداً. للعوامل التالية:

فأولاً، وقبل كل شيء، فإن السوق ستتوسع وتتكامل. وعندما يتم تأسيس نظام قانوني لكوريا الجنوبية في الشمال، وفي حالة بناء المرافق اللوجستية أو مرافق البنية التحتية الأخرى هناك، فإن المعاملات بين الجانبين سوف تزداد. وزيادة التجارة هي القوة الدافعة وراء النمو الاقتصادي. فالجنوب سوف يشتري الموارد الجوفية من الشمال، بينما يتم بيع المنتجات الجنوبية في الشمال. وبذلك سيتم إنشاء قيمة مضافة كبيرة، كما أن الشركات التي كانت مترددة في الاستثمار في السوق الجنوبية سوف تستثمر في صناعات جديدة في سوق محلية أكبر.

ثانياً، تم استخدام قدر كبير من رأس المال الكوري الجنوبي والكثير من الوقت من أجل حل المشاكل المتعلقة بكوريا الشمالية حتى الآن. وعندما تتبدد المخاطر المتعلقة بكوريا الشمالية، فإن الموارد يمكن أن تستخدم للمناطق الأكثر إنتاجية. وأخيراً، فإن حجم الجيش الكوري الجنوبي كبير نوعاً ما، مقارنة بالدول المتقدمة. وفي حالة تخفيض القوات العسكرية والاستفادة منها في المقابل في سوق العمل، فإن ذلك سوف يولد نمواً إضافياً.

ثالثاً، حل المشكلة الديموغرافية، حيث شهد عدد سكان كوريا الجنوبية نمواً بسبب طول متوسط العمر، رغم انخفاض معدل المواليد بشكل مزمن. حيث بلغ إجمالي عدد السكان 51.62 مليون نسمة حتى عام 2020. لكن كوريا الجنوبية تعاني التدهور الديموغرافي. نتيجة انخفاض معدل المواليد وشيخوخة السكان. ولذا فكوريا الجنوبية مجتمع شائخ.

وأظهر تقرير صادر عن هيئة الإحصاءات الكورية الجنوبية أن عدد سكان كوريا الشمالية بلغ 25.13 مليون نسمة في عام 2018، أي حوالي نصف عدد سكان كوريا الجنوبية.

ويبلغ متوسط العمر المتوقع للرجال والنساء في كوريا الشمالية في المتوسط 66.5 و73.3 على التوالي، بينما يبلغ متوسط العمر المتوقع للرجال والنساء في كوريا الجنوبية 79.7 و85.7 على التوالي. ومن ثم تواجه كل من الكوريتين تحديات ديموغرافية متباينة، ويحدو الأمل الكثير من الكوريين في كوريا الجنوبية أن توحّد الكوريتان قواهما؛ لإيجاد حلول تتناسب مع الأوضاع السكانية في كل منهما، تمهيداً لليوم الذي ستتوحد فيه شبه الجزيرة الكورية مرة أخرى.

رابعاً، ومن أجل تقليل تكاليف التوحيد وزيادة فوائده، يدعو بعض الخبراء إلى نظرية «إقليمان ونظام واحد»، التي تكون فيها الكوريتان إقليمين مختلفتين، لكنهما يتبعان نظاماً اقتصادياً واحداً يقوم على أساس اقتصاد السوق.

في نظرية «إقليمان ونظام واحد» تتكامل الكوريتان كدولة واحدة، يكون فيها المجتمع الاقتصادي هو نفسه، لكنها لا تزال مقسمة إلى دولتين مختلفتين. بعبارة أخرى، لا يتحقق التوحيد السياسي في المرحلة الأولى، مع بقاء الجانبين كمناطق مختلفة. المجتمع الاقتصادي الواحد ممكن عندما تتبنى كوريا الشمالية اقتصاد السوق. في حال سعي الكوريتين للوحدة السياسية أولاً فإن تكاليف التوحيد ستكون هائلة، ولذلك من أجل تخفيض التكاليف المحتملة وزيادة منافع التوحيد، فإنه من الضروري للجانبين تحقيق التكامل الاقتصادي أولاً، وتكون الكوريتان مقسمتين إلى دولتين، ومن ثم تتوحدان في دولة واحدة في الوقت المناسب.

بعبارة أخرى، من الضروري تحقيق التكامل الاقتصادي أولاً ثم الانتقال تدريجياً نحو التوحيد السياسي في وقت لاحق. وبالنظر إلى نموذج توحيد ألمانيا، توجب إنفاق مبالغ ضخمة خلال عملية التوحيد، من أجل إنقاذ الاقتصاد المنهار. ومن دواعي انتشار تلك النظرية أن الفجوة في الدخل بين الكوريتين هي أكبر بكثير من الفجوة بين الألمانيتين الشرقية والغربية عند توحدهما. وبالتالي، من الممكن أن تضطر كوريا الجنوبية إلى تقديم المزيد من الدعم المالي إلى الشمال، ومن ثم فإن العبء المالي وتكاليف التوحيد قد تكون ثقيلة جداً على اقتصاد كوريا الجنوبية. ولذا فإن الاندماج التدريجي، بمعنى من المعاني، ليس مسألة اختيار، لكنه أمر لا بد منه.

وترى تلك الآراء، أن العملية كلها ينبغي أن تمضي سلمياً وتدريجياً من أجل توحيد الكوريتين، وتحقيق الاستقرار والنمو في الوقت نفسه.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yb2fpcae

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"