مخاطر التطرف اليميني في ألمانيا

01:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد خليفة

حينما نمعن النظر في خريطة السياسة في أوروبا، وخاصة خريطة الأحزاب يميناً ويساراً، نرى تغييراً ملحوظاً في العقد الأخير، فمن يجول بنظره في وضع دول أوروبا في يومنا هذا، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، سيلاحظ صعود أحزاب يمينية متطرفة بصبغات مختلفة، فهناك أحزاب قومية متعطشة لأمجاد الماضي، وأخرى قومية شعبوية، وكذلك محافظة متشددة ذات جذور فاشية جديدة، وغيرها من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي باتت تحظى بشعبية لا يستهان بها.

ومن أبرز هذه الدول التي صعد فيها اليمين المتطرف، خاصة في الانتخابات الأخيرة ألمانيا، وتختلف ألمانيا عن غيرها من دول أوروبا، لأنها بمنزلة الأم للكثير من الشعوب التي انتقلت منها في القرون الغابرة، وسكنت في أقاليم أوروبية أخرى، حيث لا توجد دولة في غرب أوروبا ليس فيها من هم من أصول ألمانية. وألمانيا اليوم هي أكبر دولة أوروبية بالسكان، وهي أكبر قوة اقتصادية أوروبية، إذ تُعد حالياً قاطرة أوروبا الاقتصادية، وهي كذلك من القوى الاقتصادية العظمى، فهي رابع أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان.

لم تكن النكسات التي حلّت بها في الماضي إلا نتيجة كونها قوة مؤثرة في أوروبا والعالم. ورغم ما لدى هذه الدولة من إمكانات اقتصادية لكنها غرقت، مؤخراً، في وحول التضخم، فزادت كلف المعيشة فيها، وانخفضت القدرة الشرائية لدى السكان، ما دفع قطاعات واسعة منهم إلى التذمر والغضب. ويتركز الفقر في الشرق الألماني الذي كان ذات يوم دولة شيوعية، ولا يزال السكان هناك يعانون آثار عملية التحول من الاشتراكية إلى الرأسمالية. وبسبب التراجع الاقتصادي الملحوظ في عموم الدولة، فقد اندفع قسم كبير من الألمان نحو تأييد «حزب البديل لأجل ألمانيا» وهو بمثابة نسخة حديثة من «حزب الاشتراكية الوطنية» الذي تزعمه أدولف هتلر، وقاد به ألمانيا وأوروبا نحو الكارثة. ووفق تقرير بثه برنامج «بوليتباروميتر» على القناة الثانية بالتلفزيون الألماني «زد دي إف»، فقد أظهرت نتائج استبيان أن ثلث الألمان لا يرون خطراً على الديمقراطية من جانب «حزب البديل من أجل ألمانيا». وجاء ذلك عقب فوز هذا الحزب لأول مرة بمنصب قيادي على مستوى الولايات، حيث فاز في ولاية «تورينغن». وحسب التقرير، «يعتقد ثمانية وستون في المئة من سكان غرب ألمانيا، ثلاثة وخمسون في المئة من سكان الشرق، أن «حزب البديل» يشكل خطراً على ألمانيا، مقابل اثنين وثلاثين في المئة من المستطلعة آراؤهم والذين لا يرون أيّ تهديد».

ورغم أن هذا الحزب حديث «نسبياً» لأنه تأسس قبل عشر سنوات، فإن تقدمه الكبير يدل على أن قسماً كبيراً من الألمان لم يعد يرى في الطبقة السياسية الحاكمة الممثلة في الحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، بأنها تمثله، بل أصبح يرى أن «حزب البديل» اليمني المتطرف، هو الحزب الذي يمثل آماله وتطلعاته، وهذا تطور خطير في دولة عانت مسبقاً التطرف، ودفعت ثمناً باهظاً من مكانتها وشعبها واقتصادها؛ بل عانت قارة أوروبا والعالم من جراء ذلك الكثير اقتصادياً وسياسياً. لكن كما كان ظهور التطرف في الماضي هو نتيجة للأخطاء التي وقعت فيها «جمهورية فايمار»، التي كانت خاضعة للحلفاء وملتزمة ببرنامج دفع التعويضات المقررة لهم، فإن ظهور التطرف اليوم هو نتيجة لانقياد ألمانيا، ومعظم دول أوروبا الغربية للسياسة الأمريكية، ولو كان ذلك على حساب مصالح الشعب الألماني. فمثلاً كانت ألمانيا تستورد أربعين في المئة من حاجتها من الغاز من روسيا، وبسبب التزامها بسياسة العقوبات الغربية ضد روسيا، فقد توقفت عن استيراد الغاز الروسي الرخيص، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كلف المعيشة على الشعب الألماني، وعلى أصحاب الأعمال بسبب زيادة كلف وأعباء الإنتاج، لأن بدائل الطاقة المتوفرة، لا يمكنها أن تفي بالغرض، أو تعوض ذلك الغاز. لكن هل لألمانيا، كدولة كبيرة، مصلحة في معاداة روسيا؟

نشرت صحيفة «بيلد»، الأسبوع الماضي، وثائق سرية لوزارة الدفاع الألمانية، تشير إلى أن ألمانيا تستعد لحرب عالمية ثالثة قد تندلع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وذكرت الوثائق أن ألمانيا ودولاً أوروبية تتوقع أن تشن روسيا هجوماً مفتوحاً على حلف شمال الأطلسي صيف عام 2025. وتلافياً لوقوع هذا الصدام العسكري مع روسيا، بدأ «حزب البديل لأجل ألمانيا» في كسب مؤيدين له. لكن من المبكر القول بأن هذا الحزب قد يصل إلى الحكم، فمن المؤكد أنه كلما تراجع الاقتصاد الألماني، هبطت شعبية الأحزاب التقليدية الحاكمة، وزاد التأييد ل«حزب البديل» الذي يقدم برنامجاً مغايراً تماماً لبرامج الأحزاب السياسية الموجودة، ما يعني أنه يقدم حلولاً للمشاكل التي يعانيها الألمان اليوم. وهذا الحزب يشابه، في وضعه الحالي، إلى حد بعيد، حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي، الذي تزداد شعبيته بسبب فشل الأحزاب التقليدية في معالجة أزمات الشعب الفرنسي. ومن غير المستبعد أن تصل زعيمة هذا الحزب «مارين لوبن» إلى منصب رئاسة فرنسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34s9uzz6

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"