عادي

«المزهر».. موسوعة معارف «العربية»

23:39 مساء
قراءة 3 دقائق
1

الشارقة: جاكاتي الشيخ

كان عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، واحداً من كبار العلماء، ولد سنة 849ه /1445م في القاهرة، حيث جاء والده من أسيوط لدراسة العلم، وكان سليل أسرة اشتهرت بالعلم، فتوفي عنه وهو في السادسة من عمره لينشأ يتيماً.

أتم السيوطي حفظ القرآن وهو دون الثامنة، وحفظ العديد من الكتب في طفولته، مثل:»العمدة»، و»منهاج الفقه والأصول»، و»ألفية ابن مالك»، لتتسع مداركه وتزداد معارفه، حيث كان محل عناية ورعاية من طرف عدد من رفاق أبيه العلماء، فتأثر بأستاذه الكمال بن الهمام الحنفي، الذي كان وصياً مباشراً عليه، ودرَس الفقه والنحو والفرائض، وأجيز بتدريس اللغة العربية، وقام برحلات علمية عدة.

سلك السيوطي في تعلّمه منهجاً خاصاً، حيث يظل مع شيخ واحد حتى يتوفى، لينتقل إلى شيخ آخر، ومن بين شيوخه: محيي الدين الكافيجي الذي لازمه أربعة عشر عامًا، وأخذ عنه أغلب علمه في التفسير والأصول والعربية والمعاني، وشرف الدين المناوي الذي أخذ عنه القرآن والفقه، وتقي الدين الشبلي الذي أخذ عنه الحديث، ولم يقتصر في تلقّي علمه على الرجال فقط، بل حتى من النساء، مثل: آسية بنت جار الله بن صالح، وكمالية بنت محمد الهاشمية.

استطاع السيوطي أن يكون من أبرز العلماء، حيث عمل على التأليف في العديد من المجالات؛ مثل: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، والنحو، واللغة، والأدب، وغيرها، إذ كان موسوعي الثقافة، كما أعانه انقطاعه وتفرغه التام للعمل على التأليف، منذ كان في سن الأربعين وحتى وفاته في القاهرة سنة 911ه / 1505م، ليترك مكتبة علمية هائلة، ويخرِّج العديد من العلماء، من بينهم: شمس الدين الداودي، وابن إياس الذي يَذكر في «تاريخ مصر» أن السيوطي ألف 600 كتاب.

قيمة علمية

«المزهر في علوم اللغة» للسيوطي كتاب لغوي عظيم، لما يمثله من قيمة علمية وتاريخية، إذ استطاع مؤلفه أن يضع فيه مادة غزيرة، جمعت بين الألفاظ والمعارف اللغوية العربية، يقول في مقدمته: «هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه، واخترعت تنويعه وتبويبه؛ وذلك في علوم اللغة وأنواعها، وشروط أدائها وسماعها، حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع، وأتيت فيه بعجائب وغرائب حسنة الإبداع، وقد كان كثير ممّن تقدم يُلّم بأشياء من ذلك، ويعتني في بيانها بتمهيد المسالك، غير أن هذا المجموع لم يسبقني إليه سابق، ولا طرق سبيله قبلي طارق، وقد سميته ب«المزهر في علوم اللغة»»، وهو بجهده هذا يقدم علوم اللغة العربية بطريقة لم يُسبق إليها.

قسم السيوطي كتابه إلى خمسين باباً سمّاها أنواعاً: حيث بدأ بثمانية أنواع راجعة إلى اللغة من حيث الإسناد، تناول فيها: معرفة الصحيح الثابت، وما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت، والمُتَواتر والآحاد، والمرسل والمنقطع، ومن تُقبل روايته ومن تُرد، وطرق الأخذ والتَّحمل، ثم أتبعها بثلاثة عشر نوعاً راجعة إلى اللغة من حيث الألفاظ، منها: معرفة الفصيح، والضعيف والمُنكر والمتروك من اللغات، والرديء والمذموم من اللغات، والمُطَّرد والشاذ، والحُوشي والغرائب والشوارد والنوادر، والمستعمل والمهمل، وتداخل اللغات وتوافقها، والمُعرَّب، والمُولَّد، ثم ثلاثة عشر نوعاً أخرى راجعة إلى اللغة من حيث المعنى، ومنها: معرفة خصائص اللغة، والاشتقاق، والحقيقة والمجاز، والمشترك، والأضداد، والمترادف، والاتّباع، والإبدال، والقلب، والنحت، وجاء بخمسة أنواع راجعة إلى اللغة من حيث لطائفها، وأورد نوعاً واحداً راجعاً إلى حفظ اللغة وضبط مفاريدها، وكذلك ثمانية أنواع راجعة إلى رجال اللغة ورواتها، ليختمه بمعرفة الشعر والشعراء، وأغلاط العرب.

بساطة

اعتمد السيوطي في كتابه منهجاً علمياً قدّم من خلاله محتواه، وعرضه بأسلوب مُبسّط، بعيد عن التعقيد والغموض، بحيث يشرح القاعدة النظرية بتطبيقات متعددة، مع التزامه بالأمانة العلمية، بذكر مصادره. ومن أهم المصادر التي اعتمد عليها، في تدقيق ما يورده: «الخصائص» لابن جني، و«الأمالي» لأبي علي القالي، و«أمالي» ثعلب، و«النوادر في اللغة» لأبي زيد الأنصاري، و«الصاحبي» لابن فارس، وغيرها.

تمت العناية بكتاب «المزهر» من طرف كل من محمد أحمد جاد المولى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، حيث قاموا بشرحه وضبطه وتصحيحه، لتطبعه دار إحياء الكتب العربية في القاهرة سنة 1958م، ويطبع بعد ذلك مرات عدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt6hez9v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"