عادي

«تهذيب اللغة».. جامع شتات «العربية»

23:21 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
يعتبر أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (282-370ه - 895-981م)، أحد أهم علماء اللغة والفقه، وكان ثقة، وثبتاً، عاش في العصر العباسي، حيث ولد في هراة بخراسان، ثم انتقل إلى بغداد، واهتم بالفقه في بداية حياته واشتهر به، ثم تخصص بعد ذلك في اللغة العربية، وعاش مُولعاً بالبحث عن المعاني والاستقصاء فيها، وأخذها من مظانها، فأتقن فهم الكتب التي سمعها واطلع عليها لكبار علماء اللغة، ورحل في طلبها، وقصد القبائل وتوسع في أخبارهم.

وقع أسيراً في يد القرامطة، فكان مع عرب من هوازن واختلط بهم آخرون من تميم وأسد، فكانوا يتكلمون بطباعهم البدوية وقرائحم التي اعتادوها، ولا يكاد يقع في منطقهم لحن أو خطأ فاحش، فبقي في أسرهم طويلاً في تلك البوادي، واستفاد من محيطهم اللغوي، الذي شكل ما تعلمه فيه جلَّ مادة كتابه «تهذيب اللغة».

وكان من أهم من درس عليهم: الحسين بن إدريس، ومحمد بن عبد الرحمن السامي، وأبو القاسم البغوي، وابن أبي داود، وإبراهيم بن عرفة، وابن السراج، وأبو الفضل المنذري، ومن تلاميذه: أبو عبيد الهروي الفاشاني مؤلف كتاب «الغريبين»، وأبو يعقوب القراب، وأبو ذر عبد بن أحمد الحافظ، وسعيد بن عثمان القرشي، والحسين بن محمد الباشاني، وقد خلف العديد من الكتب، منها: «تهذيب اللغة»، و«تفسير القرآن»، و«تفسير ألفاظ المزني»، و«علل القراءات»، و«كتاب الروح»، وكتاب «الأسماء الحسنى»، و«شرح ديوان أبي تمام»، و«تفسير إصلاح المنطق».

ثقة

يُعد كتاب «تهذيب اللغة» من أهم معاجم اللغة العربية، وأكثرها ثقة ودقة، ومن أبرز الوثائق في تأريخ التأليف اللغوي وتأريخ المدارس اللغوية الأولى، إذ جمع فيه الأزهري شتات اللغة، ولذلك أثنى عليه الكثير من العلماء، مثل: ابن منظور مؤلف معجم «لسان العرب»، الذي قال عنه: «ولم أجد في كتب اللغة أجمل من (تهذيب اللغة) للأزهري، ولا أكمل من المحكم لابن سيده... وما عداهما ثنيات الطريق»، وجمال الدين القِفْطِي الذي قال عنه كذلك: «رزق هذا التصنيف سعادة، وسار في الآفاق، واشتهر ذكره اشتهار الشمس».

ويرى الأزهري أن كتابه هذا، إن لم يكن جامعاً لمعاني اللغة وألفاظها كلها، فإنه يحوز جملاً من فوائدها، ونكتاً من غريبها ومعانيها، منتهجاً مذاهب المفسِّرين، ومسالك الأئمة المأمونين، من أهل العلم وأعلام اللغويين، وقد دعته عدة أسباب إلى جمع مادة هذا الكتاب، من لغات العرب وألفاظها، والاستقصاء في تتبِّع ما حصل عليه منها، والاستشهاد بشواهد أشعارها المعروفة لفصحاء شعرائها، التي احتج بها الثّقات، وهذه الأسباب، أولها تقييد نُكتٍ حفظها من أفواه العرب الذين شاهدهم وأقام بين ظهرانيهم عدة سنين، حيث كان يعتمد التحقق بنفسه من المفردة اللغوية، ولم يكتفِ بما جاء عن علماء اللغة في كتبهم، وثانيها تحمّله للمسؤولية والتزامه بإفادة غيره مما تعلّمه في حياته، وثالثها قراءته للعديد من الكتب التي عمِل مؤلفوها من علماء اللغة قبله على تحصيل مادتها من لغات العرب الصحيحة التي رووها عن أصلها، واستخرجوها من دواوين الشعراء المعروفين، وحفظوها عن فصحاء العرب، مثل كتاب «العين» للفراهيدي ومن احتذى حذوه، وملاحظته لحاجتها إلى التصحيح، بعد ما آلت إليه من سوء فهم، وقد اكتشف أن طلاب علم اللغة في زمنه لا يدركون من آفات الكتب المصحفة ما أدركه، ولا يميزون صحيحها عن سواه، فآلى على نفسه أن يصحح اللغة العربية ويهذِّبها مما شابها من أخطاء، ويُنبّه إلى تلك الأخطاء الموجودة في الكتب المُعتمدة من قبل أهل العلم، لكي يستبين الناس أمر لغتهم.

طبقات

وقد سار فيه على منوال كتاب «العين»، واتبع نظامه في تقليب الكلمة وذكر وجوهها، وقدم له بمقدمة رائعة، ذكر فيها طبقات أئمة اللغة الذين اعتمد عليهم فيه، مبيناً تراجمهم وآثارهم اللغوية، وعني فيه بالبلدان والمواضع والأمكنة والمياه عناية كبيرة، جعلت كتابه من أصح المصادر في هذا المجال.

وجدت من «تهذيب اللغة» في مكتبات العالم 18 مخطوطة، أهمها: نسخة مكتبة «عارف حكمت» في المدينة المنورة، وهي بخط ياقوت الحموي، وقد طُبع الكتاب لأول مرة سنة 1964م في مصر من طرف الدار المصرية للتأليف والترجمة، بتحقيق طائفة من العلماء، هم: عبد السلام هارون، ومحمد علي النجار، وعبد الحليم النجار، وعبد الكريم العزباوي، وعبد الله درويش، ومحمد عبد المنعم خفاجي، ومحمد فرج العقدة، وعبد السلام سرحان، وعبد العظيم محمود، وعلي حسن هلالي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وأحمد عبد العليم البردوني، ويعقوب عبد النبي، وإبراهيم الإبياري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2rzx2c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"