الحرب تتمدد والأهداف تتغير

00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمود حسونة
سنة كوابيس عاشتها المنطقة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، بدأت بالهجوم الفلسطيني «طوفان الأقصى» على مستوطنات غلاف غزة، كابوس هز ثقة الشعب الإسرائيلي في جيشه وأجهزته الأمنية وجهاز مخابراته وقبلهم حكومته، وكان الرد الإسرائيلي بشن هجوم عسكري على غزة أمراً متوقعاً، ولكن ما لم يكن متوقعاً هو أن يتحول الهجوم الانتقامي إلى حرب إبادة، ليس هدفها كما أعلنوا استعادة المخطوفين والقضاء على حماس ولكن هدفها الحقيقي القضاء على كل ما هو فلسطيني وإخلاء غزة من أهلها وتحويل الحياة فيها إلى جحيم لا يحتمل، وقتل ما أمكن وتدمير مساكنها ومدارسها ومستشفياتها وطرقها وكل ما فيها لدفع من نجا من الموت بصواريخها ومدفعياتها ومسيراتها وطائراتها إلى الموت مرضاً أو جوعاً أو البحث عن أي وسيلة للهروب منها حتى لو كان الثمن هو تجاهل عودة المخطوفين.
لم يتوقع أحد أن تستمر الحرب على غزة عاماً وأن تتجاوزه، ولكن اليوم أصبح يقيناً أن هذه الحرب ستستمر طالما استمر الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي لإسرائيل.
تل أبيب ترى في هذه الحرب الفرصة للبدء في التوسع وتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى»، حتى لو رفضتها معظم الدول وتظاهرت ضدها الشعوب منددة بالممارسات الإبادية على شعب أعزل، فدعم حكومات غربية والحكومة الأمريكية يكفي، وهو الدعم الذي لم تهزه أصوات الغضب والتظاهر والتنديد في مدنهم بما يحدث ولا أصوات طلاب جامعاتهم.
أمريكا تؤمن بحق إسرائيل المطلق في فعل ما ترى فيه مصلحة لها حتى لو كان ذلك بالإملاء على الإدارة الأمريكية ما ينبغي فعله مع طلاب جامعاتها المطالبين بوقف التعامل مع إسرائيل، فمن حق نتنياهو أن يطالبها ببذل المزيد للتصدي للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في 44 جامعة أمريكية، واصفاً ما حدث «بالأمر المروع»، ومتهماً المشاركين فيها بأنهم «غوغاء معادون للسامية»، وهو ما اعتبرته الخارجية الأمريكية بأنه «ليس تدخلاً في شؤوننا».
أحداث السابع من أكتوبر 2023 منحت إسرائيل تعاطفاً عالمياً كبيراً من الحكومات الغربية. وإذا كان من حقها أن تنتقم فقد كان ينبغي أن يكون الانتقام على قدر الفعل مثلاً، ولكن ما حدث أنها قررت أن تبيد غزة وأن تشرد أهلها، وأن تهلك الحجر والبشر والحرث بلا تمييز، فالكل هدف للآلة العسكرية الغاشمة. عنف مفرط أغضب الرأي العام العالمي وحكومات حول العالم والمؤسسات الأممية، صرخات ومطالبات بوقف الحرب صدرت من أربع جهات الأرض، وسطاء يتنقلون بين أكثر من عاصمة وينقلون رسائل بين حماس وإسرائيل طوال العام أملاً في هدنة، ولكن من بيده الأمر لا يريد سوى الحرب حتى تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة.
لم يعد خافياً على أحد أن ما يحدث ليس انتقاماً من «طوفان الأقصى»، ولكنه مخطط قديم حان وقت تنفيذه، ولذا لم تكن غزة كافية، وبعد أن كان الجيش يحارب في غزة فقط، فتح جبهة في الضفة، وجبهة في لبنان، حرب قرر أن يكرر فيها سيناريو غزة نفسه التي كانت المسرح الرئيسي لسنة أولى حرب، وينوي أن يجعل سنة ثانية حرب مسرحها الرئيسي لبنان، وإن كانت الشواهد توحي بأنه لن يكون لبنان وحده، ولكن ستكون لها مسارح عدة، مسارح داخل إسرائيل وخارجها بعد أن عجز العالم عن منع تمددها وتوسعها، وإذا كان نتنياهو قد أعلن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه يحارب على سبع جبهات، فقد تعمد أن لا يذكر أنه لو كان وحده لما امتدت الحرب عاماً وما تمددت وما كانت متعددة الجبهات، وتؤكد المؤشرات أن الجبهات ستزداد.
الخطاب الإسرائيلي تغير وازداد غروراً وتوعداً بعد نجاحه في اختراق حزب الله واغتيال قياداته وتفجيرات «البيجر» و«أجهزة الإرسال»، وبعد أن كان هدفه المعلن قبل عام هو القضاء على حماس، ثم القضاء على حزب الله وإعادة سكان الشمال الإسرائيلي، أصبح الهدف «تغيير الشرق الأوسط» حسب ما أعلن نتنياهو مؤكداً أن «إسرائيل دخلت مرحلة جديدة من الحرب»، ومع تغيير نتنياهو لهجته السياسية سار على دربه بقية قادة إسرائيل وأصبحوا جميعهم يهددون كل من يفكر في إيذاء إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور منطلقين من الإحساس بأنهم قادرون على الوصول لأي شخص أو أي جهة أينما كان مكانه بصواريخهم الأمريكية التي تخترق التحصينات وطبقات الأرض.
إسرائيل رفضت كل مبادرات وقف إطلاق النار واستعادة المخطوفين على مدار العام الماضي، ، وبعد أن خرجت ضرباتها عن حدود الجيران، وبعد أن قررت إسرائيل تكرار ما حدث في غزة في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني، توقف تماماً الكلام عن حلول دبلوماسية وأدرك حكماء المنطقة أن كلامهم لم يعد يسمعه أحد، ولم يعد هناك صوت مسموع سوى صوت التفجير والتخريب والقتل، وهو ما ينذر بتمدد للحرب، ما سيجعل القادم كابوساً أشد إزعاجاً ليس على أطراف الصراع فقط ولكن على المنطقة كلها، خصوصاً أن من أغمض العين عن إبادة غزة وتدمير جزء من لبنان لن يغمض العين عن «تغيير خريطة الشرق الأوسط».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3rw3p4

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"