.. وعاد لبنان

00:28 صباحا
قراءة 4 دقائق

لبنان عاد، استعاد ذاته المختطفة لسنوات مضت، عاد إلى أمته التي هجرها من دون إرادته، أعاده جوزيف عون ونواف سلام، على غير رغبة من خاطفيه بفضل إرادة اللبنانيين الذين وحدوا أنفسهم بعد أن ذاقوا الأمرين، وكانوا يعيشون في دولة تدوس على القانون وترتكب فيها الجرائم الكبرى جهاراً نهاراً وهي عاجزة عن محاسبة المجرمين، ولعل جريمة المرفأ ستظل باقية في الأذهان.
المرفأ مجرد نموذج للكثير من الجرائم التي ارتكبت في حق لبنان ولم يتم محاسبة مرتكبيها، وليس خافياً على أحد أن الهدف الأكبر للحالة التي كان يعيش فيها لبنان لم يكن فقط إبعاده عن حاضنته العربية، لكن أيضاً دفع بعض فئاته للهجرة والابتعاد، ومحو تاريخه المضيء حتى يغرق في الظلام الدامس الذي أرادوه له.
حان وقت العودة، وحان وقت الترحيب بولادة العهد الجديد، بشكل تلقائي وانسيابي سار كل لبناني عاشق لبلده ومشتاق للسلام الحقيقي في كل ربوعه، مع موكب العهد الجديد الذي أطلقته الدولة اللبنانية وتحرص على أن يصل إلى كل المناطق بلا استثناء. فمنذ أن رفعت الحكومة شعار العهد الجديد معلنة بقيادة رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام، بدء مرحلة جديدة في لبنان يستعيد فيها حيويته وعلاقاته مع كل الدول الشقيقة والصديقة، ويستعيد ثقة الدول العربية بأمنه واستقراره.. منذ تلك اللحظة وكأن عصا سحرية طالت كل من يعيش في ربوع هذا البلد، فانعكست تلك الرغبة والإرادة بشكل إيجابي على كل اللبنانيين.
عودة لبنان إلى الحضن العربي دليل على أنه عاد دولة صاحبة قرار وصاحبة موقف، ترفض عبث الميليشيات بمقدراتها، دولة تلتزم بالقانون الدولي وترفض التجاوزات الإسرائيلية لأرضها وسمائها وبحرها، دولة تسعى لأن يكون السلاح فقط بيد جيشها، وتحقيق ذلك لن يكون بين عشية وضحاها، وإنما يستلزم الأمر بعض الوقت، ومع العزيمة الصلبة سيستطيع لبنان تحقيق إرادته مدعوماً من الأشقاء والأصدقاء المخلصين بعيداً عن الطامعين والمتآمرين.
التغيير في لبنان لمسه اللبنانيون، ولمسه زوار لبنان، فما أن تطأ قدماك أرض مطار رفيق الحريري الدولي، تشعر برياح التغيير، لم يعد هناك تمييز ولا استعلاء ولا أي نبرة تفرقة بين فئة وأخرى، ليس هناك فريق غالب وفريق مغلوب على أمره.. في الشوارع تلفتك يافطات «العهد الجديد» والعلم اللبناني فقط من دون أية أعلام حزبية أو طائفية أو سياسية.. حتى صور الشخصيات تراجعت وباتت معدودة على غير ما جرت العادة في السنوات الأخيرة، ولعلها تختفي بعد أن يتمكن العهد الجديد الذي ينفذ رؤيته وإرادته تدريجياً وهو الأحرص على أن يتم ذلك بسلاسة ومن دون صدامات مع أي من الفرقاء ولا بين شركاء الوطن.
مبشرة الصورة التي تظهر بها بيروت اليوم، منها تولد فسحات الأمل بعودة حقيقية وشاملة للبنان الذي اشتاق له أهله وأحباؤه، وكأنه كان في غربة وعاد بعد طول غياب، نفس الإحساس ونفس السعادة تشعر بهما مع عودة العلاقات الطيبة بين هذا البلد وإخوانه العرب، لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية، لكن غاب السياح والزوار عنه، وعلى الرغم من أن العودة اختيارية، فإن الكثيرين من محبي لبنان سارعوا لزيارته، وكان في مقدمة العائدين أهل الإمارات الذين تزينت بطلائعهم مناطق لبنانية مختلفة، عادوا وهم يحملون الشوق للبنان بكل ما ومن فيه، البشر والكرم والطيبة والجبل والبحر والجغرافيا المتفردة والطقس البديع، وذلك بعد رفع الحظر عن زياراتهم للبنان والذي تم فرضه حفاظاً عليهم نتيجة غياب الأمن والأمان والقانون، وكان رفع الحظر أول نتيجة مباشرة لزيارة رئيس الجمهورية إلى الإمارات ولقائه بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وبعد أن لمست الإمارات تغيراً أعاد الأمن والأمان ويعمل على إعادة الاستقرار وسيادة القانون.
الإماراتيون كانوا الطليعة، وخلال الأيام المقبلة سيعود كل الخليجيين، ومعهم كل الشعوب الشقيقة والصديقة، والزائر للبنان حالياً يلمس حالة من الاستنفار الذي يعيشه لبنان حكومة وشعباً، مؤسسات رسمية وخاصة، استعداداً لموسم سياحي يعيد المجد والألق للسياحة اللبنانية التي كانت من قبل أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي، الجميع يدرك أن العهد الجديد سيكون جديداً في القرار السياسي، وفي الوضع الاقتصادي، وفي المكانة السياحية، وفي تطبيق القانون على الجميع من دون تفرقة لا على أساس طائفي ولا مناطقي ولا اجتماعي، فالكل سواسية وهذه أولى خطوات نجاح الدولة واستعادة عافيتها.
لبنان يحتاج حالياً إلى الكثير من دعم الأشقاء حتى يستطيع تحقيق أهدافه، والدعم المطلوب ليس اقتصادياً فقط، لكنه الدعم الشامل، يتصدره الدعم السياسي ويشارك فيه المثقفون والفنانون ورجال الأعمال وكل الفئات الشعبية العربية التي لا تتمنى عودة هذا البلد الجميل إلى ما كان عليه.
الشعب اللبناني يصف الوضع خلال السنوات الماضية بالكابوس الذي تمت إزاحته، وثقته في قيادة الرئيس جوزيف عون وإدارة نواف سلام للحكومة غير محدودة، والكل يعلم أن بعض المتربصين سيحاولون عرقلة أصحاب القرار، لكن طالما أن خلفهم والفريق المساعد إرادة شعبية فسوف يتجاوزون كل العراقيل وسيكونون على قدر التحديات حتى تكتمل عودة لبنان الثقافة والفن والسياحة والألق.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"