جرحى 2020 وأثرياؤه

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

هل صحيح أن عام 2020 كان عاماً كبيساً على العالم؟ ألم تزدد أرباح المؤسسات العملاقة بشكل ربما غير مسبوق، في الوقت ذاته الذي غرقت فيه دول بأكملها في أتون الديون الثقيلة التي سيُفرض على عدة أجيال قادمة أن تعاني تأثيراتها؟ ومن هم جرحى 2020، ومن هم الرابحون من سنة كورونا؟

الاقتصاديات الناشئة والهشة كانت هي الأكثر تضرراً من جائحة كورونا في عام 2020، وتهمنا هنا أوضاع الدول العربية التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي حتى تتمكن من الحصول على مخصصات مالية إضافية لمجابهة الجائحة، وهو ما يؤكد حجم الضغوط الاقتصادية التي واجهتها تلك الدول. أربع دول عربية نضيف إليها دولة جنوب السودان، حصلت في هذا العام على ما يفوق 14 مليار دولار من صندوق النقد، وهي على التوالي، مصر بنحو 8 مليارات دولار والمغرب 3 مليارات دولار، والأردن نحو 1.7 مليار دولار، وتونس 750 مليون دولار، ودولة جنوب السودان بنحو 52 مليون دولار. 

وطبعا، فإن الدول العربية غير النفطية، تأثرت بشكل واسع نتيجة توقف قطاع الخدمات على المستوى الدولي وخاصة في قطاعات النقل والسياحة التي تعتبر دول مثل مصر والمغرب وتونس أقطاباً تنافسية عالمية فيها. ومن الطبيعي أن تسجل هذه الدول تراجعات كبرى في مستوى المداخيل، جراء إجراءات الحجر الصحي المحلية أو الدولية، ما جعل قطاع السياحة على سبيل المثال يتكبد أكبر الخسائر في هذه الدول، مع تراجع كبير في الصناعات التصديرية التي تعتبر رافداً مهماً من روافد الدخل الخام. ولهذا لجأت حكومات هذه الدول إلى صندوق النقد الدولي لتقليل المخاطر الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات اجتماعية خطرة، خاصة مع اضطرار المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة إلى الإغلاق وتسريح عمالها، ومن ذلك أن تونس شهدت إحالة نحو 300 ألف عامل إلى البطالة نتيجة مباشرة للجائحة.

وحتى الدول الكبرى لم تسلم من تأثيرات الجائحة، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، توصلت بشق الأنفس إلى التصويت على مشروع قانون يسمح بضخ 900 مليار دولار كمساعدات اجتماعية لمتضرري الوباء، وذلك من جملة مبلغ إجمالي يصل إلى 1.4 تريليون دولار للتخفيف من أثر الجائحة في ظل تزايد أعداد الإصابات والضحايا. ولم تسلم أوروبا أيضاً من الآثار الاقتصادية الخطرة في عام «كورونا».

ولكن لهذه السنة الصعبة وجه مشرق بالنسبة لمن حققوا ثروات قياسية. فقد أشارت مجلة «فوربس» إلى أنه «في ظل ارتفاع أسواق الأسهم الرئيسية، حصل أكثر من 2200 ملياردير في العالم، مجتمعين، على 1.9 تريليون دولار، ليصبحوا أكثر ثراء في عام 2020». وقدرت المجلة ثروة أثرياء العالم بنحو 11.4 تريليون دولار. وزادت أرباح أثرياء الصين بنحو 60% هذه السنة التي تشرف على النهاية، وذلك على الرغم من أن الصين كانت هي منطلق الجائحة. وحل أثرياء أمريكا في المرتبة الثانية بزيادة سنوية تقدر ب 4 تريليونات دولار، ما يعني أن هذه الجائحة لم تكن شراً مطلقاً لأثرياء العالم؛ بل إنها كانت فرصة استثنائية لهم لزيادة أرباح خيالية، لم تكن في دائرة توقعاتهم قبل انتشار الوباء على مستوى عالمي. 

ويتضح أن خارطة الثروة العالمية لم تتغير كثيراً؛ إذ حافظت الأقطاب الاقتصادية العالمية على تربعها على عرش الثروات العالمية، ما يطرح أكثر من سؤال حول مستقبل العلاقات الدولية، بعد انقشاع غبار معركة كورونا، خاصة في ظل اتساع الفوارق بين عالمي الأثرياء والفقراء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"