بين العمل السياسي والوطني

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

السياسة ملح الحياة، أما بالنسبة للإنسان العربي فهي خبزه اليومي، يحرص على مشاهدة أو استماع نشرة أخبار واحدة على الأقل يومياً، وفي زمن التطبيقات الإلكترونية وتكنولوجيا الاتصال والتواصل، نجده مشتركاً في تطبيق أو أكثر، مع خاصية التنبيه، لهذا نجده، في الغالب الأعم، وكأنه غرفة أخبار أو صالة تحرير متنقلة. وإذا قرأ خبراً مهماً يبادر إلى إعادة نشره أو إرساله إلى المجموعات المشارك فيها، أو يغرد به على «تويتر» وكأنه خبر حصري به. فإذا ناقشته في قضية يسرد لك مجموعة أخبار، وإذا تطلب الأمر رأياً فإنه يبديه بحماسة، لكن بانفعال وعصبية في حال خالفه الآخر الرأي، وفي النهاية يحرص على تفقد الوسائط الإخبارية والإعلامية قبل أن يخلد للنوم وكأنه سيذهب صباح اليوم التالي إلى اجتماع سياسي أو إلى الصحيفة، يفعل هذا، في المجمل، على الرغم من أنه لا يشارك في صناعة القرار، ولا يرسم سياسات.
 وإذا تحدثنا عن الديمقراطية في العالم العربي نجد الإنسان العربي غير ديمقراطي في أكثر من معنى، فهو لا يشارك حقيقة في اختيار ممثليه، وهو لا يحترم الرأي الآخر، ويمارس عنصرية بغيضة في ما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بحقوق المرأة على أقل تقدير، أو يمارس عنصرية قبلية أو عشائرية، فيفاضل بين هذه وتلك فقط لأنه ينتمي إلى هذه أو تلك؛ بل يدخل المؤسسات متسلحاً بالإحساس القبلي ويتوقع أن يأخذ دور غيره أو يحصل على أولوية، ويمكننا القياس على ذلك في مختلف مجالات الحياة، فهو ديمقراطي في النظرية، ودكتاتوري في التطبيق، ولنضرب مثالاً على ذلك في حواراته مع أبنائه وبناته، أو في نسبة الحرية الممنوحة للذكور والإناث، أو في إدارته لقسمه أو إدارته أو مديريته، ويسعى دائماً لفرض هيبته، وكأن المكان الذي يديره يعود إليه. هذا بشكل عام، ولا شك أن هناك استثناءات لهذه الرؤية، خاصة في الدول التي تتمتع بحكم القانون، أو الدول التي وصلت إلى نظام الحكومة الإلكترونية.
 في العالم الثالث، ينشغلون بالسياسة معتقدين بأنها مخلصهم من أزماتهم، بينما لو انشغلوا ببرامج الحياة اليومية بهدف تطوير البيئة والمجتمع والإنسان، كما يفعل الإنسان في الدول المتقدمة، ونلقى هذا الإنسان متطوعاً في أكثر من جهة حكومية أو خاصة، خيرية أو صحية أو فنية أو بيئية أو حقوقية أو جمالية وغيرها، فيشارك في الحملات والمبادرات والمسيرات التي تعلي من شأن الإنسان وبيئته، وهناك مبادرات خاصة تعود عليه بالرضا الذاتي ومحبة الإله والناس والمجتمع، كأن يخصص وقتاً لزيارة مركز لأصحاب الهمم، فيصادق أحدهم أو تصادق إحداهن فيقدم له الرعاية النفسية والعاطفية والاجتماعية، أو يخصص وقتاً لزيارة أصحاب الأمراض المزمنة الذين يقضون حياتهم في المستشفيات، أو يتطوع في تنظيم حملة نظافة أو حملة تنظيم مروري أو حملة لدعم رجال الصحة والبيئة وغير ذلك.
 أقول هذا الكلام وفي ذهني تجربة الإمارات العربية المتحدة، ومبادرات صاحب السمو رئيس الدولة، التي فعّلت حياة كثيرين وجعلت لها معنى، فلو استعرضنا أسماء تلك المبادرات لوجدنا كيف تحقق التكامل بين العمل السياسي والعمل الإنساني؛ عام القراءة، عام الخير، عام التطوع، عام زايد، وغيرها الكثير، وهي جميعها مبادرات سياسية في العمق، وجميها عمل سياسي في الاستراتيجية، وجميعها عمل سياسي من حيث عملها على التطوير المعرفي للإنسان، وهذا لا يعني أن المواطن لا يهتم بالسياسة وأمور الحكم، فهو مشارك رئيسي من خلال دوره كرقيب على أداء العمل الحكومي والمؤسسي، وهناك قنوات وتطبيقات توصله بسرعة قياسية إلى صاحب القرار، خاصة في ما يتعلق بالخدمات العامة.
 العمل السياسي ليس تناحر أحزاب وتنظيمات، تناحراً لا يؤدي إلى اتفاق حول الخطوط العريضة للعمل الوطني كما يحدث في دول كثيرة، العمل السياسي هو كل شيء يصب في توفير الحياة الكريمة للمواطن، ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة، نحمد الله كثيراً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"