مكيافيلية «قسد»!

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

في علم السياسة، تعد المكيافيلية ممارسة السياسة من منطلق «الغاية تبرر الوسيلة»، أي توظيف المكر والخداع للوصول إلى الهدف، وفقاً لما رمى إليه الدبلوماسي والكاتب الإيطالي نيكولو مكيافيلي في كتابه «الأمير»، وهو ما يقابله بالعربية «الفهلوة» السياسية.

هذا ما تمارسه بعض الدول والقوى غير النظامية في علاقاتها مع الآخر، على أساس أن هذا النوع من السياسة يوفر لها المنفعة والمكاسب والقدرة على البقاء بصرف النظر عن الوسيلة التي يمكن اتباعها.

في مجرى ما نشهده الآن على الساحة الدولية هناك الكثير من الأمثلة على ممارسة المكيافيلية في العلاقات الدولية، أي توظيف «الفهلوة» والازدواجية في السلوك العام. ولعل أحد أشكال ذلك يتمثل في ما يجري على الساحة السورية، جراء تداعيات العمليات العسكرية التركية قي شمال شرق سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المتهمة بدعم حزب العمال الكردستاني التركي المتهم بالوقوف وراء تفجير إسطنبول الأخير.

إن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مثلاً التي تسيطر على أجزاء واسعة من شمال شرق سوريا تقيم تحالفاً قوياً مع القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، وهي تعمل في الوقت نفسه مع القوات الروسية، وتمد الجسور مع القوات السورية النظامية، في إطار ما تعتبره شكلاً من أشكال «البرغماتية» التي توفر لها سبل الأمان في مواجهة القوات التركية التي تنفذ ضدها الآن عملية «المخلب - السيف».

في سياق هذه «المكيافيلية» التي تجمع التناقضات، حدث تطور آخر يتمثل بالدعوة التي صدرت عن «قسد» أمس إلى الجيش السوري للرد على أي هجوم تركي. وإذا كان من البديهي أن يقوم أي جيش في العالم بحماية حدود بلاده من أي اعتداء، فإن دعوة «قسد» التي لا شك تدرك تعقيدات الوضع على الساحة السورية، تحمل معنى استخدام الجيش السوري في خدمة أحد أهدافها، خصوصاً أن «قسد» التي تتخذ من الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة مظلة للحماية، والخروج على سلطة الدولة، ما زالت ترفض أية تسوية سياسية مع دمشق، من خلال الموافقة على بسط سلطة الدولة على مختلف مناطق شمال شرق سوريا، كي تكون الدولة السورية وحدها مسؤولة عن حفظ الأمن والسلام، ذلك أن «قسد» أحبطت كل جهود التوصل إلى حل مع دمشق، وتصر على «الأمن الذاتي»، وعدم إدماج قواتها في الجيش السوري.

وكان قائد قوات «قسد» مظلوم عبدي رفض عرضاً من قائد القوات الروسية في سوريا، الجنرال الكسندر تشايكو بدمج قواته في الجيش السوري، إلى جانب تعزيز القوات السورية على طول الشريط الحدودي مع تركيا. ومن الواضح أن الرفض الكردي يتصل بالموقف الأمريكي المعرقل لجهود بسط الدولة السورية سلطتها على كافة أراضيها، وهذا الموقف الكردي يتماهى في ذلك مع الموقف الأمريكي طالما أنه يحقق ما تصبو إليه «قسد» من إصرار على «إدارة ذاتية» كردية، بمعزل عن التسوية السياسية الشاملة.

إن دعوة «قسد» الجيش السوري للرد على أي هجوم تركي تمثل قمة «الفهلوة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3v5rvw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"