عادي

أبو الفنون مختبر لأسئلة الإنسان في مهرجان المسرح العربي

16:19 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض (ميت مات)
مشهد من مسرحية (ميت مات)
مشهد من عرض سوبر ماركت
  • 14 كتاباً حول تاريخ وحاضر المسرح المغربي


الدار البيضاء: محمد إسماعيل زاهر
المسرح مختبر لكل الأسئلة التي تداعب خيال وذهن الإنسان، ذلك ما يخرج به متابع اليوم الرابع من الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح العربي بالدار البيضاء. فذلك المتابع لا ينتهي من تأويل وتفسير العرض العراقي «ميت مات»، تأليف وإخراج علي عبد النبي الزيدي لفرقة مشغل دنيا للإنتاج الفني، حتى يجد نفسه منخرطاً في وقائع العرض السوري «سوبر ماركت»، المأخوذ عن نص لداريو فو وإخراج أيمن زيدان، الذي استطاع أن يعبر عن واقع يفتقد فيه البشر إلى أبسط حاجياتهم الأساسية.
تنفتح ستارة عرض «ميت مات»، على رجلين نائمين يرتديان أسمالاً بالية، ويستلقي كل منهما على كرسي متهالك، ولا تفصلهما مسافة كبيرة، فجأة يستيقظان، ويبدأ كل منهما في الحديث إلى نفسه أولاً: «كيف جئت إلى هنا؟»، «أنا نائم منذ ألف سنة»، ثم لا يلبث أن يتحدث كل واحد إلى الآخر، ونكتشف أن الممثل الأول ينتظر مجيء «غودو» أما الثاني فينتظر ما يطُلق عليه «مولاي»، وتنقلب اللعبة خلال الحوار، فالثاني يخبر الأول أنه «غودو»، والأول يعلن أنه «مولاي»، وبعد حوارات مركزة حول الحب والعنف والحروب، ندرك عجزهما التام، هما يعيشان حالة من التيه والضياع، وكلاهما لا يستطيع الوقوف أو تحريك قدميه، ويشعران بإنهاك وتعب بالغ، ويبدآن في تبادل التهم، الأول يقول للثاني «لقد خذلتني»، فيرد عليه «أنت ضيعتني»، ويرددان معاً «نحن سجناء الخوف»، وبصعوبة بالغة يستطيعان الوقوف، ولكنهما يسقطان، ويتجه كل واحد إلى الآخر حبواً، حتى يجلسان متجاورين، ويقولان:«يبدو أننا سننتظر ألف سنة أخرى».
العرض فلسفي بامتياز، ويتضمن دلالات ورموزاً متعددة المستويات، ويخوض في مناطق وجودية شائكة، برغم أن مخرجه حاول في الندوة الصباحية التي عقدت حول العرض أن يكسبه بعداً سياسياً، إلا أن المشاهد يجد نفسه متورطاً في أسئلة تتجاوز الواقع المباشر، تذكرنا بنص «في انتظار غودو» لصمويل بيكيت، وذلك بعكس إشارة المخرج أيضاً إلى أن عرضه «نص مسرحي عربي خالص».
العرض الثاني «سوبر ماركت» مقتبس عن نص «لا تدفع الحساب» للإيطالي داريو فو الفائز بجائزة نوبل للآداب 1997، والقصة تدور حول مجموعة من النسوة يقمن بسرقة متجر للمواد الغذائية، حيث تتجاوز أسعار الطعام قدراتهن الشرائية، ويحتفظ العرض بالأسماء الإيطالية نفسها، ويدور في أحد الأحياء ليعبر من خلال واقع آخر عن أزمة خانقة يعيشها الشعب السوري منذ سنوات طويلة.

  • أهمية الحكاية

من جانب آخر واصل المؤتمر الفكري على هامش المهرجان فعالياته، بالإضاءة على تجارب مميزة في المسرح المغربي. وبدأ المؤلف والمخرج المسرحي محمد الحر حديثه عن تجربته في فرقة مسرح «أكون»، بالإشارة إلى أهمية الحكي، بوصفه ركيزة فنية تستطيع جذب مشاهد «أبو الفنون»، يقول: «لماذا الحكي؟ لأن للعرب ولعاً خاصاً به. ألم يستأثر العرب بأمهات المتون الحكائية؟، أليست«الليالي» وغيرها، درراً من درر فن الحكاية التي لا تزال تمارس سحرها على باقي الحضارات الإنسانية حتى اليوم؟، أليست الحكاية، هي الاستراتيجية الأولى للبقاء على قيد الحياة ؟، ألا تحكي شهرزاد لكي تراوغ الموت؟، أليست الحكاية، هي النص المؤسس للعقل العربي؟، أليست الحكاية هي إحدى الخصائص التي يتفرد بها الإنسان عن باقي المخلوقات والموجودات لكي يكون إنساناً؟، أليست الحكاية، في جوهرها، هي أثر يتوسل الخلود؟ (أنا أَحكي، إذاً أنا موجود). ألا تقوم الحكاية، شأنها في ذلك شأن اللغة نفسها، على لعبة مزدوجة ومقلقة، هي ثنائية الإظهار والإضمار، ثنائية الكشف والستر، لعبة الذاكرة والنسيان؟ أليست الحكاية في جوهرها نصاً لا يكتمل إلا بتعدد الروايات، وبالتالي هي كتابة تتأسس على المحو».
وفي ما يتعلق بظروف تأسيس «أكون» وأسباب اختياره للحكي ليكون أساس تجاربه المسرحية، تابع الحر بالقول: «إن توجه مسرح أكون نحو الحكي لم يكن وليد الصدفة ولا يمكن أن نقول أيضاً إنه كان اختياراً واضحَ المعالم منذ البداية. في حدود سنة 2006، كنا، مجموعة من المخرجين الشباب، نخوض جدالاً حيوياً حول واقع الإنتاج المسرحي المغربي آنذاك، وما يقدم للجمهور. اتجهت مجموعة من الفرق المسرحية نحو تبني صيغ مختلفة، كان أهمها صيغتين. من جهة، مسرح موغل في النخبوية، وكان أصحابه ينعتونه بالمسرح «التجريبي». ومن جهة أخرى، مسرح موغل في الشعبوية، وكان أصحابه يطلقون عليه المسرح الشعبي. مسرحان يبتعدان، كل بطريقته، عن سؤال الجمهور. وكانت بينهما إشراقات تؤسس لنفسها مساحة في(الما بين). مثل فرق: مسرح الشمس، مسرح اليوم، مسرح الناس، تبعث الأمل في تلك المساحة التي أُسس فيها مسرح أكون بمبادرة شخصية والذي اعتمد على الحكي كوسيلة للابتعاد عن النخبوية والشعبوية معاً. وبعد مرورنا بتجارب تعاملنا فيها مع فرق أخرى. تجارب، كان عنوانها هو خيبة الأمل أدركنا أنه لا يمكن لأي فنان أن يكون مسرحيا بالمعنى الحقيقي إذا لم يواجه نفسه بسؤال عن جدوى الفن».
لقد كان الهدف من تأسيس مسرح أكون وفق الحر إنتاج فن هو في الوقت ذاته، شعبي دون أن يسقط في الشعبوية و يفرط في التسطيح والاستسهال، وتجريبي دون أن يغرق في النخبوية والتعقيد والغموض. مسرح قادر على أن يخاطب الجميع، يخلق المتعة الحسية والجمالية والفكرية.

  • البحث العلمي

وعلى هامش فعاليات المهرجان أعلنت الهيئة العربية للمسرح أسماء الفائزين في الدورة السابعة من مسابقة «البحث العلمي المسرحي» للشباب دون الأربعين سنة، وهم: عادل القريب، من المغرب، والذي فاز بالمركز الأول عن بحث «العرض المسرحي (ديالي) بين صدمة الطرح الموضوعاتي وحدود الاشتغال الجمالي»، وذهب المركز الثاني إلى مروة أحمد وهدان، عن بحثها «تجليات الصدمة في الخطاب المسرحي الفلسطيني»، وكان المركز الثالث من نصيب أسماء محمد إبراهيم، من مصر، عن بحث «تجليات الصدمة في المسرح النسوي السعودي..خطاب المرأة في نصوص ملحة عبد الله». وقال الأمين العام للهيئة إسماعيل عبد الله: «إن المسابقة تفتح آفاقاً جديدة في المنجز الفكري العربي المسرحي».
 

  • حفل توقيع

نظمت الهيئة العربية للمسرح في نشاط آخر ضمن المهرجان حفل توقيع لـ 14 كتاباً في تاريخ وحاضر المسرح المغربي، وقال مستشار الهيئة الدكتور يوسف عيدابي: «يشكل مجال النشر والتوثيق بالنسبة لنا أهمية، بل وأولوية قصوى لمتابعة المسرحيين هنا وهناك، وإبراز قدراتهم على التعبير عن هموم وتطلعات الإنسان العربي. لدينا كوكبة من الباحثين الدارسين من ذوي الخبرات، المتنوعة والذين يمثلون أكثر من جيل يقدمون رؤى وأطروحات تلخص تجربة المسرح العربي في المغرب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fwk8fsn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"