المثقفون والبيئة

03:13 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

بدأ مؤخراً اهتمام جاد من قبل المثقفين في كل أنحاء العالم بقضية البيئة، وهو الأمر الذي جاء بعد انتقادات شديدة لتلك الفئات، كونها ظلت بعيدة عن واحد من أهم الموضوعات في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فمما لا شك فيه أن كوكبنا صار يعاني ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري، أو التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، وقد عقدت الكثير من القمم في مختلف أنحاء العالم لمواجهة هذه الظاهرة التي باتت تلقي بظلالها وآثارها على البشرية في كل مكان، ولعل واحدة من أهم التوصيات التي خرجت بها تلك القمم ضرورة الاهتمام بالبيئة وتشكيل وعي بيئي، وأن يصبح الإنسان صديقاً للطبيعة، ومن هنا يأتي دور المثقف في الدفاع عن تلك القضايا، وحمل راية التنوير بالمخاطر التي تواجه الإنسانية.
ولا يخفى بطبيعة الحال الدور الذي ظل يمارسه الفن في خدمة قضايا البيئة خاصة في مجال الفنون التشكيلية، حيث انصرف كثير من الفنانين نحو استخدام مواد من النفايات من أجل إعادة تشكيلها وتدويرها والارتقاء بقيمتها من «مخلفات»، إلى شكل جمالي بديع، وكذلك فعل الشعراء والمغنون خاصة في مجال ما يعرف بالأغنيات الاحتجاجية وموسيقى الراب والراي وغيرها، حيث حفلت كلماتها الشعرية بقيم مناصرة للبيئة، بل قد برزت جماعات من الفنانين مدافعة عن الوعي البيئي، وكذلك فعل الروائيون والأدباء من خلال سرديات كاملة عن الأوبئة والأمراض الناتجة عن سوء التعامل مع الطبيعة، وأسست أحزاب سياسية بروافع ثقافية وفكرية تنهض في أساسها على فكرة الحفاظ على البيئة ومجابهة ثقافة السلوك الاستهلاكي الذي هو من خصائص عصر العولمة والسوق الراهن.
والواقع أن الوعي البيئي لم يغب عن دراسات كثير من الفلاسفة الذين تناولوا الطبيعة وجدلها، والمحيط الحيوي الذي يدعم وجودنا، فقد تحدث الفيلسوف «كانط»، عن قضية «العقل والوعي والأنثروبولوجيا»، وكذلك فعلت الماركسية في خطابها النقدي الإيكولوجي، أي البيئي، فذلك من صميم مفهومها المادي عن الطبيعة، كما أن الفلسفات الحديثة قدمت بشكل أو آخر أطروحات معرفية للكشف عن حقيقة البيئة وقضاياها ومشكلاتها والإسهام في وضع الحلول لها.
ولا شك في أن دور المثقف يتزايد بصورة كبيرة أمام مثل هذه التحديات، فالثقافة شعبية ومجالها الأساسي في وسط المجتمع، وصار المثقفون اليوم يقفون ضمن الناشطين في منظمات المجتمع المدني في أي دولة ينتمون إليها، مما يعزز من دورهم في وقف انحراف الفعل الإنساني في تعامله السلبي مع الحياة والطبيعة.
إن المثقفين هم ورثة الفلاسفة في العصر الحديث وعليهم أن يطوروا خطاباً إيكولوجياً يقدم شرحاً لأزمة البيئة كقضية ملحة وتأثيرها في الحياة البشرية، فلابد من مشروع إنساني جديد يعيد ترتيب علاقة الإنسان بالطبيعة من حوله ويوقف الانتهاكات ضدها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"