ربيع السياسة وتأثيره في الأسواق

22:17 مساء
قراءة 5 دقائق

ما يجري في العالم العربي مهم جداً أكان بدافع داخلي أم خارجي أم مشترك . هنالك مشكلات كبرى لابد أن يسعى المواطنون إلى حلها بمساعدة خارجية أو من دونها . هنالك ظلم كبير يعيش معه المواطنون العرب منذ عقود، ولا بد لليل أن ينجلي، لكنه لم ينجل بعد . لا يقبل المواطن العربي أن يعيش اليوم بأقل مما ينعم به الآسيوي أو الأمريكي اللاتيني أو حتى الإفريقي . هل نبعت الاعتراضات من مصادر داخلية فقط؟ هذا غير مهم طالما أن الانتفاضات تؤدي إلى تحرير المواطن من خوفه ويأسه وبؤسه وتعطيه أهم حقوقه أي التعبير عن الرأي والانتخاب الحر، كما تسمح باتخاذ القرارات العامة التي تؤثر في مستقبل الوطن .

المسيرة طويلة ولن تتحقق فقط بمجرد تغيير الحاكم أو الحكام، ومصر هي الدليل الساطع على عدم رضى المواطن عما يجري من تغيير في القيادة ومن إصلاحات دستورية أو قانونية حتى مع انتخابات تشريعية على 3 مراحل، علماً أن الانتخابات الرئاسية لن تحصل قبل منتصف 2012 . أما الأوضاع في تونس وسوريا واليمن وليبيا وغيرها فلا تقلّ خطورة، بل تفسح المجال للتدخل الخارجي أو للمزيد منه .

يعني ربيع السياسة تحقيق الديمقراطية على كل المستويات . يعني تحقيق انتخابات حرة ينتخب خلالها الشعب من يمثله .

لا تهم النتيجة طالما أن قرار الشعب هو الذي يسري خاصة أنه يمكن للشعب أن يغير ممثليه كل 4 سنوات مثلاً .

انتخاب الممثلين بحرية هو المهم، وطالما أن المنتخب مراقب من الشعب ويخاف من غضبه ومن تغيير رأيه في الانتخابات المقبلة، سيسعى بكل قواه لتحقيق مصلحة المواطن والاقتصاد والوطن .

في الاقتصاد تعتبر الدول العربية منتقلة من أنظمة متعثرة إلى أخرى تسعى لتحقيق النمو ومحاربة الفقر وتثبيت الاستقرار تماماً كما فعلت أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية منذ عقود .

يبقى انتقال الأنظمة من حالة إلى أخرى عملية معقدة لا تعتمد على السياسة فقط، وإنما تصل إلى القوانين والرقابة والإدارة ومدى الرغبة، بل السرعة في التغيير . لا يمكن نقل تغيرات السياسة إلى الاقتصاد إلا عبر خطوات جريئة مجربة في المناطق الأخرى .

أولاً: لا يمكن تحقيق خطوات إصلاحية جزئية في اقتصادات غير متطورة، إذ لا تؤدي إلى النتائج الفضلى . من الأفضل الانتظار قليلاً حتى تتحقق شروط الإصلاحات الكاملة وأن يتم تطبيقها على مراحل ضمن برنامج زمني نوعي معلن ومنطقي . طبعاً الانتظار الطويل مضر، لكن المهم هو وضع تصور مبدئي وتنفيذي للإجراءات المطلوب تطبيقها حتى لو لم تكن مثالية .

ثانياً: المهم أن تطبق الإصلاحات عبر تسلسل منطقي حتى لا تهدر الجهود كما الوقت . يجب على القييمين عليها أن يفهموا عمل المؤسسات ومحتوى القوانين الموجودة والمطلوب تغييرها كما الأدوات الممكن استعمالها للتقدم . تكون العملية أصعب بكثير عندما يكون القيّمون على الإصلاح هم من النظام القديم، وبالتالي معتادون على الطرق السابقة . يبقى تغيير الأشخاص أو الفريق الكامل مهما لتحقيق التغيير بأسرع وقت ممكن . في الدول العربية المعنية، لم تتغير أكثرية القيادات الفعلية، وبالتالي تبقى الذهنية السابقة سارية . في أوروبا الشرقية مثلاً، تغيرت القيادات كلياً في الدول وبالتالي تحقق الانتقال بشكل رائع .

ثالثاً: تحديث الاقتصاد يتطلب عملاً شاقاً في القطاعات كما في الاقتصاد الكلي . في القطاعات، المهم أن تنظر القيادات الجديدة إلى عمل السوق أي إلى كيفية تحديد الأسعار ومدى حرية المنافسة وإلى فعالية قوانين مكافحة الاحتكار التي تزيد من حدة استغلال المواطن وفقره . المهم أيضاً تحديث قوانين الملكية وما يتبعها من سهولة التسجيل والبيع والانتقال .

في الاقتصاد الكلي، المطلوب سياسات تحافظ على الاستقرار أي تسهم في محاربة البطالة كما التضخم .

في الموازنة يجب النظر إلى الخلل المالي الآتي من سياسات الدعم لبعض السلع لمصلحة المستهلك أو الشركة التي يجب إعادة دراستها .

لا مانع من إبقائها إذا تحقق التوفير في أمكنة أخرى، خاصة في الإنفاق الجاري، ليس من الضروري تحقيق فائض في الموازنة دفعة واحدة، وإنما من الضروري وضع العجز في أطر معينة بحيث يخف تدريجياً مع الوقت . يجب التنبه أيضاً إلى الكتلة النقدية التي تسبب تضخماً إذا تقاعست المصارف المركزية عن حسن إدارة نموها .

رابعاً: لا بد من تعزيز الشفافية القطاعية كما العامة لأنها ركيزة المحاسبة والوسيلة الأفعل لضرب الفساد . تعزيز ونشر ثقافة الشفافية على مستوى القيادة كما الشعب مهم جداً لتحقيق الربيع الاقتصادي حتى في الدول التي لم تعرف بعد ربيعاً سياسياً أو شعبياً . المطلوب تغيير أجواء العمل بحيث تتخذ القرارات بوضوح لمصلحة المواطن والاقتصاد .

تبقى الأوضاع الانتقالية خطرة، إذ تتحقق عموما في ظروف عدم استقرار سياسي وربما أمني . لابد من تجنب الأخطاء الرئيسة التي وقع فيها الغير أي المناطق الأخرى، خصوصاً في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية .

أولاً: لا يمكن التأكد المسبق من صحة التسلسل الإصلاحي المعتمد اذ تبقى الخيارات مرتكزة على الاعتقادات الشخصية . هنالك تسلسل معين اعتمد في دول وكان ناجحاً، لكنه اعتمد في دول أخرى وكان فاشلاً . نقطة الانطلاق للدول تبقى في غاية الأهمية، أي مدى تطور المؤسسات والقوانين والأدوات المستعملة كما القدرة على التغيير . لا يمكن اعتبار نقطة الانطلاق في الدول العربية جيدة أو متقدمة، وهنا يكمن الخلل الصعب .

ثانياً: هنالك شعوب جاهزة أكثر من غيرها نسبة للتغيير . هنالك دول لم تعرف الحريات السياسية في تاريخها وبالتالي لا قدرة لها على التأقلم مع الخيارات الحرة للشعوب . ما يجري في روسيا اليوم مدهش من ناحيتي صحة الانتخابات التي جرت مؤخراً ومدى قدرة النظام الحاكم وتحديداً الرئيس بوتين على مواجهة الاحتجاجات بالقوة . المعروف أن روسيا انتقلت من النظام القيصري إلى الشيوعي، كما تتعثر العملية الديمقراطية منذ انتهاء الحرب الباردة، لأن ثقافة التغيير والديمقراطية غير قوية . كانت الحال مختلفة جداً في العديد من الدول الأوروبية الشرقية التي أحسنت الانتقال وتشهد اليوم نموا قويا كما هو الحال في بولندا وتشيكيا والمجر وغيرها .

ثالثاً: هنالك عدد غير قليل من السياسات لا يمكن إنجاح الانتقال من دون تطبيقها . منها مثلاً تغيير نظام سعر صرف النقد أي سعر واحد والأفضل حر، إضافة إلى سهولة التحويلات من وإلى الدولة بالنقد الوطني أو الصعب كما تحرير التجارة الخارجية . يجب تجنب وضع قيود على رؤوس الأموال باستثناء القصيرة الأجل التي تتحرك بسرعة لأهداف المضاربة والأرباح السريعة .

التفكير الدولي اليوم بشأن وضع ضريبة توبين على هذه الأموال هو في محله شرط أن توضع في تصرف التنمية عبر المؤسسات الدولية المتخصصة والمعنية . من الممكن أن تعتمد دول العشرين هذا الإجراء قريباً مع رئاسة المكسيك للمجموعة .

رابعاً: من الطبيعي ألا تؤدي التغييرات إلى ارتفاع سريع في الناتج وبالتالي النمو . يجب على قطاع الأعمال أن يعتاد على شروط العمل والحياة الجديدة، وبالتالي يمكن للناتج أن ينخفض في الأشهر الأولى ويعود إلى الارتفاع لاحقاً كما حصل في معظم دول أوروبا الشرقية .

المهم تسهيل الانتقال بحيث يفسر للمواطن والشركة جدوى الإصلاحات وفوائدها على المدى الطويل . لا شك أن توافر الإحصاءات والمعلومات يبقى في غاية الأهمية للنجاح، وهو متعثر بل مفقود في أكثرية الدول العربية .

خامساً: التحدي الكبير في زمن الإصلاحات هو منع أقلية من الاستفادة من الأجواء المحررة على حساب الأكثرية، تماماً كما حصل في روسيا . ارتفاع فجوة الدخل في الدول المنتقلة مقلق على المدى الطويل ويؤدي عموماً إلى عدم الاستقرار الاجتماعي كما السياسي .

كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"