أما حان لقانون العمل أن يتجدد؟ (2 - 2)

01:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
استكمالا لما جاء في الجزء الاول من المقال فان المادة 65 من قانون العمل الحالي في دولة الإمارات تنص «على أن الحد الأقصى لساعات العمل العادية للعمال البالغين هو 8 ساعات يومياً أو 48 ساعة في الأسبوع. ويجوز في حالة الأعمال التجارية والفنادق والمطاعم والحراسة وغيرها من المهن المماثلة تمديد هذه المدة إلى تسع ساعات في اليوم بقرار من وزير العمل. ويتم تخفيض ساعات العمل العادية ساعتين خلال شهر رمضان المبارك». وإن تقليص عدد ساعات العمل المذكورة أعلاه، لها مبررات كثيرة والتي قد لا تتماشى مع أصحاب العمل الذين يقومون في بعض الأحيان بعدم الاكتفاء والتقيد بساعات العمل بل بزيادة عددها ويلهثون إلى الاستفادة من العمال بالحد الأقصى دون الأخذ بعين الاعتبار أي جانب آخر سواء أكان صحياً أو اجتماعياً أو نفسياً.
فنحن نرى أن مبررات تقليص عدد الساعات كثيرة وتم تجربتها في بعض الدول التي يعتبر سكانها من أكثر الشعوب سعادة في العالم، فعلى سبيل المثال إن بعض الدول الاسكندنافية مثل السويد قد قلّصت ساعات العمل اليومية إلى ست بدلاً من ثماني ساعات، من دون إنقاص أجر العاملين، والتي رأت في ذلك فوائد في زيادة الإنتاجية وتقليل الإصابات الصحية وزيادة في الأنشطة الاجتماعية وإعطاء الموظف الوقت الكافي لعائلته وحياته الخاصة، وأيضاً من شأن تقليص ساعات العمل أن يكون لدى الموظفين حماسة وطاقة أكبر لإنجاز قدر كبير من العمل في وقت أقصر.
نحن لا نريد أن نقلل عدد ساعات العمل مثل هذه الدول، بل على الأقل أن تصبح مشابهة لعدد ساعات المعمول بها في القطاع العام الحكومي، وهذا سيكون له أثر كبير في نقطتين رئيسيتين: وهي أن دولة الإمارات تحتل مكانة متقدمة عالمياً على مؤشر السعادة التي حددها تقرير المبادرة العالمية للأمم المتحدة، مع الاخذ بعين الاعتبار ان لديها أهداف لتصبح واحدة من أولى الدول ولذلك فإن تقليص ساعات العمل في القطاع الخاص بالتأكيد سيوفر المزيد من السعادة للسكان المواطنين والوافدين على حد سواء.

ثانياً: إن تقليص عدد ساعات العمل لتصبح مثل القطاع العام سيكون سبباً رئيسياً في تسريع وتدعيم عملية التوطين في القطاع الخاص، حيث إن طول عدد ساعات العمل الحالية تعتبر عنصراً طارداً لانخراط المواطنين فيه وإبقاء رغبتهم فقط في العمل بالقطاع العام الحكومي.ثالثاً: وضع الحد الأدنى للأجور سيكون له دور رئيسي في حماية كبيرة لمصلحة العمل ضد استغلال أصحاب العمل خاصة فيما يتعلق بالأجور، وذلك بهدف تمكين العمال من الحصول على أجور عادلة توفر لهم مستوى لائقاً من المعيشة. أما سياسة حماية الأجور وعلى الرغم من أن قانون العمل في دولة الإمارات لعام 1980 يطلب بشكل واضح من الوزارة وضع حد أدنى للأجور فلم يُطبق ذلك على الموظفين الوافدين. وتنص المادة 63 من قانون العمل على أن يحدد مرسوم اتحادي بناء على اقتراح وزير العمل والشؤون الاجتماعية وموافقة مجلس الوزراء الحد الأدنى للأجور ونسبة علاوة غلاء المعيشة وذلك بصفة عامة أو بالنسبة إلى منطقة معينة أو مهنة معينة. ويقدم الوزير اقتراحه بتحديد أو بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور بعد استطلاع رأي السلطات المختصة والهيئات المهنية لكل من أصحاب العمل والعمال، إذا وُجدت، واستناداً إلى الدراسات وجداول تقلبات أسعار تكلفة المعيشة التي تضعها الجهات المختصة في الدولة، بحيث تكون تلك الحدود الدنيا كافية لإشباع حاجات العامل الأساسية وضمان أسباب المعيشة،.ومن التعديلات الأخرى التي نرى فيها ضرورة ماسة، هي ضم فئات جديدة لقانون العمل خصوصاً خدم المنازل الخاصة ومن في حكمهم، والذي استثناه القانون الحالي، حيث ينتج عن ضمهم حماية أكبر لهم ولحقوق مشغليهم نظراً لكون الوزارة المنظم لأمورهم بشكل ممتاز نظراً للخبرات المتراكمة. أيضاً حق العمال في تكوين جمعيات عمالية، لتمثل مصالحهم. حيث إن الجمعيات، كما هو معروف على نطاق واسع، هي أهم وسيلة بالنسبة للعمال لتوصيل متطلباتهم للهيئات الحكومية المعنية، وللتفاوض مع صاحب العمل. أعتقد أن هناك حاجة ماسة لجمعيات عمالية في الدولة كي تمثل العمال في التعامل مع الحكومة والقطاع الخاص. حيث إن غياب التمثيل المنظم يمثل عقبة كبرى تعترض سبيل التصدي لاستغلال العمال ومن أجل تحسين وضع العمال فمن الضروري أن يتضمن القانون الجديد الاعتراف بحقهم في تكوين الجمعيات العمالية والروابط العمالية وهذا يعتبر تقدماً كبيراً في تشريعات العمل على مستوى المنطقة.أعتقد أن هناك حاجة لإصدار تعديلات ترتقي إلى قانون عمل جديد لكي تكتمل البنية التشريعية فيما يتعلق بالشؤون العمالية في ظل تنمية مشهودة قادتها دولة الإمارات من الازدهار والنمو. وبلا شك فإن الحكومة تحرص دائماً على مواكبة التطورات الاقتصادية المتغيرة، حيث أثبتت تنافسية اقتصادها ومرونته في مواجهة التحديات الاقتصادية. وأيضاً فإن الحكومة تعكف باستمرار على تقديم وتطوير منصة قانونية متكاملة للعمال وأصحاب العمل، ونحن على ثقة كاملة بأن تجديد قانون العمل جزء من أولوياتها، وهذا من شأنه أن يؤكد مكانة دولة الإمارات كمنصة عمل نموذجية يحتذى بها كوجهة مفضلة للعمل والعيش بسعادة ويجعلها أكثر تنافسية.

*محمد أبوشعبان

مستشار قانوني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​*مستشار قانوني

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"