أوكازيون الانهيار السنوي

01:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي

عقد كامل مرّ على انهيار البنك الاستثماري الأمريكي ليمان براذر؛ العلامة الفارقة في الأزمة المالية العالمية 2009/‏2008، التي لم يتعاف الاقتصاد العالمي منها حتى الآن. وفي سبتمبر/ ‏أيلول من كل عام، تفرد المنافذ الإعلامية الاقتصادية في العالم مساحات واسعة لآراء المحللين والخبراء حول وضع الاقتصاد العالمي، واحتمالات تكرار الأزمة السابقة. وعلى مدى الأعوام السابقة كانت الصورة أقرب للقول، إن العالم استفاد من تعلم الدرس، وأن الإجراءات التي اتخذت لعلاج أسباب الأزمة ربما تحول دون أزمة مماثلة. والآن، وبعد عشر سنوات، يعيد كثيرون النظر في كل الإجراءات النقدية والاقتصادية، التي اتخذت لمواجهة الأزمة السابقة والحيلولة دون تحول الركود الاقتصاد العالمي إلى كساد طويل الأمد.
يتحدث كثير من الاقتصاديين عن أن أزمة جديدة في النظام المالي العالمي قد لا يتمكن الاقتصاد العالمي من مواجهة تبعاتها، كما فعل قبل عشر سنوات. ويذّكر هؤلاء بالكساد الكبير في العالم في القرن التاسع عشر والقرن العشرين في تصويرهم لما هو متوقع؛ لكن السؤال الأهم في الواقع الذي لا تجد له إجابة حاسمة هو: هل تعلم العالم من درس الأزمة السابقة؟ هل عملت السلطات النقدية والاقتصادية في العالم على إصلاح جوانب الخلل التي أدت إلى الأزمة بالتوازي مع جهود تلافي نتائجها؟ هل تكفي الإجراءات التي اتخذت، خاصة في قطاع المصارف وأسواق المال، للتصدي لأزمة مماثلة؟ وأتصور أن الإجابة على تلك الأسئلة ليست مبشرة ولا باعثة على التفاؤل، رغم كل ما تزخر بها الأخبار من تدقيق هنا وتشديد هناك، وتعديل في لوائح وقواعد ونتائج اختبارها على المصارف والمؤسسات المالية.
في رأي الأغلبية، خاصة ممن توقعوا الأزمة السابقة، أن الاقتصاد العالمي أكمل دورة وعلى وشك الدخول في دورة جديدة، ما يعني زيادة احتمال الأزمة. ولا يعدم هؤلاء الشواهد من الأرقام التي تنشرها المؤسسات الدولية حول غليان سوق السندات وزيادة العجز في ميزانيات الاقتصادات الرئيسية والضغوط السلبية، التي تشهدها الاقتصادات الصاعدة ومن مظاهرها انهيار العملات وتفاقم مشاكل الديون في الوقت الذي لم يشهد نمو الاقتصادات المتقدمة معدلاً يمكنها من المساعدة في حال انفجار أزمة. وبما أن شكل تلك الأزمة المتوقعة غير واضح تماماً؛ فمن المنطقي أنه لا يمتلك القائمون على أمر الاقتصاد في دول العالم الرئيسية خططاً محددة لمواجهة أزمة محتملة.
فإذا كان العالم اعتمد قبل عشر سنوات على إجراء استثنائي، وهو ما قام به الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من توفير الدولارات لبنوك مركزية رئيسية في أوروبا وغيرها (كمقرض الملاذ الأخير) عندما نفدت احتياطات تلك البنوك، فإن إجراءات التشديد على الاحتياطي الفيدرالي خلال عشر سنوات ما بعد الأزمة تجعل ذلك غير ممكن الآن. وإذا كانت الحاجة وقتها لنحو تريليون دولار تضخ في بنوك العالم فإن ما قد تحتاج إليه أزمة أخرى الآن يزيد على ضعف ذلك المبلغ. والحقيقة أن الأرقام التي تلحظها في الأخبار الآن تشير إلى أن النتيجة السريعة والأولى لأي أزمة جديدة هو انهيار قيمة الأصول، ويتوقع أسوأ تقدير أن تتبخر 10 تريليونات دولار في أمريكا وحدها.
ورغم كل الضوابط والقيود التي تخضع لها البنوك في العالم الآن، إلا أن بعض المشتقات الاستثمارية التي كانت وراء أزمة الرهن العقاري في أمريكا قبل عشر سنوات وفجرت أزمة الائتمان العالمي ما زالت موجودة. وما اختفى منها ظهرت له بدائل، تبدو في ظاهرها أقل مخاطرة؛ لكنها في الواقع لا تختلف كثيراً وهذا واحد فقط مما نتحدث عنه من الأسباب السياسية للأزمة التي لم تتم معالجتها.
رغم كل هذا، وحديث الاقتصاديين والخبراء والمحللين، ورغم العلل المتفاقمة في النظام المالي والاقتصادي العالمي، إلا أنني أتصور أن الكارثة ليست وشيكة كما نسمع ونقرأ. وفي تقديري أن من أهم العوامل التي ربما «ترجئ» الأزمة على الأقل إن لم يكن تفاديها، وقد تخفف من وقعها أيضاً؛ هي الإجراءات الاقتصادية، التي يتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتنال حظاً وافراً من الانتقاد والهجوم. فالخطوات الحمائية، والمعادية للعولمة؛ بفرض رسوم على الواردات بشكل متصاعد، وإعادة النظر في اتفاقات التجارة الحرة، إنما تمتص قدراً كبيراً من حرارة الغليان في الاقتصاد العالمي. كما أن موقف ترامب المعارض لتشديد السياسة النقدية في بلاده يسهم في «تبريد» أسواق المال عموماً ويجعل الأثر الإيجابي للتخفيضات الضريبية تزيد من معدل نمو الاقتصاد الأمريكي.
ربما لا يقصد ترامب تخفيف أعراض الأزمة في الاقتصاد العالمي؛ لكن إجراءاته التي يستهدف بها تنفيذ شعاره «أمريكا أولاً» تؤدي في النهاية إلى «تمييع» عوامل الأزمة. والأهم في رأيي أن كل تلك الإجراءات مفيدة لسببين: الأول أنها لا تتفق مع أي حكمة اقتصادية تقليدية، وتخالف تماماً «الكتاب» الذي يعتمده الاقتصاديون، والثاني أن الرئيس الأمريكي ينفذها رغم كل النصائح التي تقدم له بألا يفعل. فهناك حقيقية أساسية؛ هي أن أي أزمة قادمة لن تجدي معها الطرق الكلاسيكية لتلافي آثارها، وما يفعله ترامب هو أنه يرسخ لذلك؛ بالخروج على «كتاب القواعد». كذلك لا يجادل أحد في أن الاقتصاد الأمريكي، يظل الاقتصاد الأكثر مرونة وبالتالي السند الحقيقي للاقتصاد العالمي في مواجهة أي مطبات كبرى. ومن شأن ما يفعله ترامب أن يجعل هذا الاقتصاد قادراً ولو نسبياً على المساعدة في مواجهة الأزمة؛ إذا انفجرت بالشكل المأساوي، الذي يصوره الخبراء والمحللون الآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"