الألعاب الأولمبية ورهاناتها الاستراتيجية

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي
بدأت الألعاب الأولمبية، في نسختها الأولى، في أثينا القديمة في العام 776 قبل الميلاد، لتضحى اليوم أحد أهم اللقاءات الرياضية التي تجمع معظم دول العالم في حلبات الرياضة. وقتها المدن اليونانية فقط كانت مخولة المشاركة في الألعاب، والذي كان يحتل المركز الأول في كل لعبة يحظى بالمديح والتعظيم، إضافة إلى السعفة والميدالية الذهبيتين.
دام هذا التقليد 1053 سنة إذ توقفت الألعاب الأولمبية في العام 277 م. وفي القرن التاسع عشر قرر البارون بيار دو كوربوتان إعادة إحيائها من ضمن مشروعه لإصلاح القطاع التربوي الفرنسي عبر إعلاء شأن الرياضة. وبعد اتصالات واسعة تمكن من تنظيم مؤتمر في السوربون، جمع ألفي ممثل لقطاعات رياضية، ودول عدة، تم الاتفاق فيه على تشكيل اللجنة الأولمبية الدولية التي ستنجح في تنظيم الألعاب الأولمبية الأولى في العصر الحديث في أثينا العام 1896. ومنذ ذلك الوقت وبالتدريج، راحت هذه الألعاب تكتسب رهانات تتخطى حدود الرياضة إلى الجيوبوليتيك والسياسة والاقتصاد والإعلام.
الألعاب الصيفية التي نظمتها ألمانيا النازية، في أغسطس/آب 1936 كانت مناسبة أرادها هتلر لإثبات تفوق العنصر الآري، فبذل جهوداً جبارة في مجال التنظيم والبروباغاندا لينجح في دفع صحف عالمية، مثل النيويورك تايمز إلى القول إن «الألمان عادوا إلى قلب المجتمع الدولي... وباتوا إنسانيين من جديد»، بل إن كثيراً من المراقبين صدقوا أن الحزب النازي مسالم وإنساني. لكن، لم ينقض وقت طويل حتى اجتاح هتلر بولونيا، وفجّر حرباً عالمية ثانية كانت الأفظع في تاريخ الإنسانية.
عادت الألعاب الأولمبية بعد الحرب، فنظمتها لندن في العام 1948. لكن ألعاب هلسنكي في العام 1952 كانت الأكثر تمثيلاً وانعكاساً للحرب الباردة الجديدة، حيث إن الاتحاد السوفييتي شارك فيها للمرة الأولى مع رغبة قوية في إثبات تفوقه على غريمه الأمريكي. أراد الاتحاد السوفييتي من خلال هذه الألعاب نشر العقيدة البلشفية، وإثبات تفوقه على غريمه الأمريكي. حصدت موسكو في هلسنكي 71 ميدالية، واستمرت في تحقيق النجاحات المبهرة في الألعاب الأولمبية طوال الحرب الباردة.
وغداة الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، أعلن الأمريكيون مقاطعتهم دورة موسكو الأولمبية في العام 1980 وطلبوا من دول العالم أن تحذو حذوهم. استجابت 62 دولة وشاركت ثمانون دولة في هذه الألعاب. ردت موسكو بمقاطعتها دورة لوس أنجلوس الأولمبية في العام 1984 وتضامنت معها خمس عشرة دولة، في حين شاركت 140 دولة في هذه الألعاب.
ونظمت برشلونة، في العام 1992، الألعاب الأولمبية الأولى بعد نهاية الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفييتي الذي حلت محله «مجموعة الدول المستقلة» والتي احتلت المركز الأول في عدد الميداليات التي حصدتها. وبعد تفكك عدد من الدول ونشوء أخرى جديدة زاد عدد الوفود المشاركة في الألعاب الأولمبية فوصل إلى197 دولة في اتلانتا العام 1996 أي بزيادة 28 دولة عن ألعاب برشلونة للعام 1992.
في دورة سيدني العام 2000 لعب الكوريون الشماليون والجنوبيون خلف علم واحد في أجواء مباحثات بين الكوريتين للتوحد. أما ألعاب أثينا في العام 2004 فطغى عليها الخوف من الإرهاب الذي ضرب الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2011 ثم مدريد في مارس/آذار 2004. الإجراءات الأمنية كلفت أثينا أكثر من مليار ونصف مليار دولار. نجحت هذه الدورة التي شاركت فيها 201 دولة، وبرزت الصين خلالها باحتلالها المركز الثاني في عدد الميداليات.
دروة سوتشي الشتوية في العام 2008 رافقها الكثير من اللغط والفضائح حول تناول الرياضيين الروس للمنشطات، وحول التدمير الهائل للبيئة بسبب البنى التحتية التي أقيمت للمناسبة. وكان الرئيس بوتين قدّر فاتورة هذه البنية بتسع مليارات دولار لكنها ارتفعت إلى 37 ملياراً، ما جعلها الدورة الأكثر تكلفة في تاريخ الألعاب. وكانت ألعاب بكين التي سبقتها حققت رقماً قياسياً بلغ 26 مليار دولار. وقد فتحت هاتان الدورتان جدلاً واسعاً حول عمليات فساد مالي في اللجان المنظمة للألعاب.
وبالنسبة للألعاب الصيفية التي جرت في ريو، لن تتمكن البرازيل من التباهي بها، ذلك أنها تجري على خلفية أزمة اقتصادية حادة ترجمها العجز عن استكمال البنية التحتية، وأزمة سياسية تتمثل برئيس مؤقت، هو ميشال تامر، يحكم البلاد في انتظار إقصاء الرئيسة المتهمة بفضائح فساد. لم تكن الحال كذلك في العام 2010 عندما فازت البرازيل ب«شرف» تنظيم هذه الألعاب.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"