ثوابت القضية الفلسطينية لدى السعودية

03:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان جودة

عندما أبرم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقيته البحرية مع حكومة فايز السراج في العاصمة الليبية طرابلس، رأت اليونان أن الاتفاقية تضر مصالحها بشكل مباشر، ثم راحت تتصرف على هذا الأساس! وكانت أول خطوة اتخذتها في هذا الاتجاه أنها استدعت السفير الليبي في أثينا، وأمهلته ٧٢ ساعة لمغادرة البلاد، واعتبرته شخصاً غير مرغوب فيه!
وهذه العبارة الأخيرة مصطلح مستقر في العمل الدبلوماسي بين الدول، والمصطلح تعبير متداول منذ عرف العالم شيئاً اسمه الدبلوماسية، وتستخدمه كل دولة في اللحظة التي ترى فيها أن دولةً أخرى ارتكبت في حقها ما لا يجوز السكوت عليه، وهذا بالضبط ما رأته الحكومة اليونانية في إقدام حكومة السراج على توقيع الاتفاقية البحرية مع الرئيس التركي!.
وليس أقرب إلى هذا المصطلح السائد في السياسة الدولية، من العبارة التي استخدمها فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في حديثه الاثنين الماضي مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية. كان الأمير فيصل يتحدث عن قرار «إسرائيل» السماح للمواطنين في فلسطين 48، بزيارة المملكة العربية السعودية لأداء الحج أو العمرة، أو لعقد لقاءات مع رجال الأعمال!.
قال الوزير ابن فرحان، إن المواطنين «الإسرائيليين» الذين يعنيهم القرار الصادر عن وزارة الداخلية «الإسرائيلية» غير مرحب بهم في بلاده!.
ولم يشأ الأمير فيصل أن يترك عبارته غامضة دون شرح واجب، أو تفسير مطلوب، فقال إن إقامة علاقات من جانب بلاده مع «إسرائيل»، مسألة مرهونة بإبرام اتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين، وأن توقيع مثل هذا الاتفاق هو الشيء الذي سيجعل انخراط «إسرائيل» في محيطها الإقليمي أمراً مطروحاً على الطاولة!.
والمؤكد أن تل أبيب لم تتوقع هذا الرد السعودي القوي على قرارها، والمؤكد أيضاً أنها تصورت أن مجرد صدور القرار عنها سوف يفتح باب المملكة أمام المسلمين من فلسطينيي 48، وسوف يجعلهم أحراراً في الذهاب وفي المجيء طول الوقت!.
ولكن عبارة الوزير جاءت في وقتها، فأعادت تذكير صانع القرار «الإسرائيلي» بأن العاصمة السعودية لديها ثوابت محددة في القضية الفلسطينية، وأن في مقدمة هذه الثوابت أن ينعقد اتفاق عادل بين الفلسطينيين وبين «الإسرائيليين» يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة!.
ومما قاله أيضاً: سياستنا ثابتة، لا علاقات لدينا مع دولة «إسرائيل»، ولا يمكن لحاملي الجواز «الإسرائيلي» زيارة المملكة في الوقت الراهن!.
وهو كلام محدد ومحسوب في كل حرف فيه، وخصوصاً العبارة الأخيرة منه التي تتحدث عن: الوقت الراهن.. والمعنى أن الأمور بالنسبة لحاملي هذا الجواز الراغبين في التوجه إلى الأراضي السعودية يمكن أن تتغير في المستقبل، إذا أبرمت تل أبيب اتفاقاً عادلاً مع الفلسطينيين، وإذا سلمت بحقهم في إقامة دولة مستقلة على أرضهم المحتلة!.
والراجح أن الوزير كان، وهو يصرح بهذه الكلمات، يرغب في إعادة تذكير الجميع بأن المبادرة العربية التي لا تزال تمثل رؤية عربية لحل القضية، والتي لا تزال محل اتفاق بين العرب، والتي كانت وقت طرحها محل قبول لدى قطاع من «الإسرائيليين»، هي مبادرة سعودية في الأساس. فالملك عبدالله بن عبد العزيز كان هو الذي طرحها في قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وكان وقتها لا يزال ولياً للعهد.
ولا بد أن «الرسالة» من وراء كلام ابن فرحان قد وصلت إلى الحكومة في تل أبيب، وهي في حقيقتها رسالة عربية بمثل ما هي سعودية!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"