حي الليه

13:02 مساء
قراءة 3 دقائق

لم يتسنَ لي العيش في حي الليه كثيراً إلا في الإجازات والعطل، بالرغم من أنها تمثل لي الكثير وستبقى ذكراها بداخلي طوال حياتي. هذا الجزء من إمارة الشارقة العامر الآن بنهضة حضارية يعتبر جزءاً حيوياً من التاريخ، وكانت شبه الجزيرة هذه، يحيط بها البحر من ثلاثة جوانب وتطل على الخليج العربي وخور الشارقة والجزء الرابع ملتصق بمنطقة الخان التي تطل على منطقة الممزر بدبي حيث مكانها على البحر، تشتهر أغلب أسرها بالتجارة والغوص والصيد.

وكانت لهم أسفار لأغلب الإمارات والدول القريبة والمحيطة، كقطر والبحرين والسعودية والكويت وإيران والهند والصين وعمان وزنجبار واليمن، مما شكل منعطفاً في حياة أبناء الليه فتميزوا بالتجارة وبيع اللؤلؤ وصيد السمك. هذا الإرث التاريخي لأبناء الليه امتدت آثاره عبر الأجيال التي تفرقت في أغلب مناطق الشارقة إلا أن ذكرى من عاش في الليه مازال باقياً وعالقاً في الأذهان، ولكن ما يعرفه أبناؤنا عن هذا الحي المنسي وتاريخه؟ فأغلب من يسمع باسم الليه يستغرب ويقول أين تقع؟ وهذا يفتح باب ما يتعلمه أبناؤنا عن تاريخ أهم المناطق التي شكلت بذرة سكان الإمارات.. أين كتب التاريخ من هذه المنطقة أو غيرها من المناطق؟ وأين مناهجنا الوطنية التي تدرس لأبنائنا حضارات العالم الآخر ولا تكاد تفي بتاريخ المنطقة أو أبنائها إلا في ما ندر؟

حي الليه تركزت فيه أغلب الأسر المعروفة في الإمارات، وخرجت منه عوائل وقبائل مثل آل بومهير والسودان وقريبان والحبتور والعبار والمرر والسري وبن هدة وقوم مقرب وبن طارش وقوم بن مجرن وقوم بن بيات وقوم امبلدي وقوم عيون وقوم القصاب وغيرها من الأسر.

وأصبح حي الليه عامراً بالدوائر المحلية وبعض المساكن وهذا اعطاه دوراً حيوياً جديداً عادت من خلاله الحركة لهذا الحي، ولكن ما جرى عليه هو ذكرى من عاشوا على أراضيها مئات السنين، وكانت تضمهم منازل بسيطة وصغيرة في حجمها، ولكن بسمعة أبنائها كانت كبيرة وعامرة ولها صيت وصل لأقاصي العالم بأسفار البوم والشوعي والجالبوت والبغلة، والتي كانت تتخذ من خور الغاله مكاناً لها والتي كان يملكها أغلب الأسر في الليه، وبنيت بسواعدهم حيث كانت مفعمة بالأصالة والعادات العربية والتقاليد الإسلامية التي تربوا عليها منذ أن حطت أرجلهم على أرض الليه قبل مئات السنين عندما قدم أغلبهم من منطقة الممزر بدبي، والتي توافد إليها أغلب أبناء الإمارات الأخرى القادمين من منطقة ليوا بأبوظبي. هذا التاريخ العريق يجعلني أطرح سؤالاً هل درسنا نحن وأبناؤنا رحلة آباء الإمارات من ليوا واستقرارهم في عدة إمارات أخرى كدبي والشارقة وأم القيوين ورأس الخيمة؟

لقد كتبت عدة مرات عبر مجلات وصحف وما تيسر لي عن منطقة الليه باعتباري إحدى بناتها وإن لم أولد فيها أو أعش فيها إلا أياماً بسيطة ومازالت راسخة في ذهني، ويبقى ترابها وتاريخها ورائحة البحر من حواليها وهواؤها المليء بروح الجسد الواحد والقبيلة الواحدة، وسككها وأحياؤها السكنية ودكاكينها وشواطئها المليئة بالمحار والأصداف البحرية الشاهدة على من لعب وتربى وسافر وعاد وغادر الدنيا وترك الآثار وأجيالاً باقية تنطق باسم الليه كلما أشرقت شمس نهار جديد يسقنا بالأمل بأن الليه باقية في قلوبنا وعامرة ذكراها توصلنا مع أجيالنا السابقة واللاحقة حتى لا تندثر كغيرها من المناطق التي أصبحت منسية مع الأيام، ولكن بفضل راعي وباني نهضة الشارقة الجديدة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي أعطى للتاريخ والآثار الاهتمام الكبير سوف تبقى الليه عبقاً يفوح منها ما تركه أجدادنا وامتداداً لأبنائها الجدد ممن سكنوا في أراضيها مرة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"