رحلة لن أنساها

12:53 مساء
قراءة 3 دقائق

على ضفاف الخليج عشت تجربة رحلة بحرية خلال طفولتي مازلت استرجع ذكرياتها الجميلة لأستمتع بأيامها الوردية بحكم الطفولة المبكرة والبراءة وعدم فهم كل مايجري من حولك، ما عشته في هذه التجربة مازال باقياً ولن أنساه. وقد عشت عدة تجارب في رحلات بحرية مابين الكويت والشارقة بحكم الاقامة في الكويت والعودة في الاجازة الصيفية للشارقة موطن أجدادي ومما اذكره حتى الآن هو آخر رحلة بحرية لي ولعائلتي في صيف 1969 والتي لن أنساها أبداً.

مازلت أذكر فرحتي بركوب الباخرة وتأخذنا إلى الشارقة، ومن ميناء الكويت أنطلقنا ولمدة ثلاثة أيام تنقلنا مابين دول الخليج والدول المجاورة بالباخرة باعتبارها من وسائل المواصلات التي اعتاد الناس عليها للتواصل بين الدول بعد أن كان البوم واللنجات هي الوسيلة المتوفرة فيما قبل وبعد وبحكم وصولي لسن السادسة وإدراكي لما يجري أتذكر أنها كانت حقاً مميزة فبعد ابحارها من ميناء الكويت أخذت أنظر لعباب الخليج العربي ووقفت أمام الحاجز الحديدي وأراقب من فتحاته منظر الابحار مستمتعة بروعة السماء ورذاذ البحر والهواء الذي يهفهف على الخدود، وأصوات طائر النورس الذي يرافقك أغلب الاوقات بصوته المميز، وفي الهبوط لالتقاط السمكة المناسبة، وأكلها لحظات خالدة لن أنساها أنا واخواني محمد وأحمد بعد أن مرت لحظات الابحار سريعاً وتابعتها بعيون طفولية لا تعرف الخوف. أنظر لمن حولي من الركاب الذين أغلبهم متجهون إلى الامارات.. نظرت للوجوه وشاهدت البعض يتسم بالفرحة والآخر بالخوف، أما البعض فبدأ عليهم المرض وغلب عليهم دوار البحر طوال الرحلة. بعد عدة ساعات من الابحار ظهرت معالم دولة البحرين وبانت معالم الجزر وأخذت الباخرة تبطئ من سرعتها استعداداً للرسو في ميناء المنامة فعدنا مرة أخرى للوقوف بجانب الحواجز الحديدية.

وإذا كان دوار البحر مشكلة الاغلب، فالنزول من السفينة مشكلة لمن يخاف من السلم المصنوع من الحبال أو الخشب ما فما بالك نحن الصغار، طبعاً كانت لحظات الصعود أسهل من الهبوط ولكن لم أشعر بها لأنني وجدت من يحملني. كانت تجربة زيارة البحرين ممتعة بالتعرف على أسواقها الشعبية والقديمة والحديثة منها، محلات ذهب وعطور وأقمشة وحلويات. لم تغب عن بالي بعض الوجوه التي تعرفنا عليها في الأسواق والطرقات والترحاب والابتسامة من الأطفال والكبار، عند الغروب عدنا للسفينة الجاهزة للابحار نحو قطر فتميزت لحظات الابحار بالروعة والجمال مع غروب الشمس، وكنت أتساءل كما يتساءل غيري، أين تذهب ولماذا هذا التغير من النهار إلى الليل ولماذا هذا التمازج بين الألوان فمن الابيض إلى السواد.

وكما استمتعنا بهذه الساعات البسيطة في البحرين ترقبنا الساعات المتصلة للمبيت في السفينة حتى الوصول للدوحة ومع هبوب نسمات الصبح الندية برطوبة البحر الصيفية استقبلنا معالم قطر من بعيد وكنت أتشوق لرؤيتها والمبيت فيها وأخذ قسط من الراحة للسفينة والبحارة والمسافرين حتى العودة للشارقة، وبعد نزولنا للدوحة حجز لنا في فندق الخليج والذي يجاوره مطعم (بسم الله) الذي يعرفة أغلب من تردد على قطر منذ فترة الخمسينات ويقال إنه مازال موجوداً حتى الآن وهو بالقرب من سوق المسقف. في هذه الزيارة أتيحت لنا زيارة الأهل والمعارف المتواجدين في الدوحة وكانت رحلة التبضع من سوق المسقف لحظات لن أنساها لأنني حظيت بألعاب جديدة استمتعت بها طوال الاجازة الصيفية وكنت أتباهى بها أمام أقراني من البنات في حي اللية الذي نقضي فيه الاجازة.

مع تباشير الصباح غادرنا الفندق للعودة إلى السفينة لنبحر ولم يبق إلا القليل من الساعات للوصول للامارة الباسمة.. إمارة الشارقة. فبعد رحلة امتزجت بالخوف والفرحة بحكم قلة التجارب والخبرة كانت لحظات جميلة ومفيدة ورائعة بأحاسيس الطفولة البريئة والأحلام الوردية في تكرار التجربة في رحلة العودة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"