رفقاً بالديمقراطية الموريتانية الناشئة

03:26 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاشت موريتانيا، بعد الانقلاب الأبيض الذي أطاح الرئيس ولد الطايع في الثالث من أغسطس/ آب ،2005 مرحلة انتقالية استغرقت ثمانية عشر شهراً، وخلال هذه المرحلة التي التزم العسكريون بالعودة إلى ثكناتهم في نهايتها، وضع هؤلاء الأخيرون أسس نظام ديمقراطي جديد في البلاد، وصاغوا في هذا الإطار، بتشاور مع مختلف القوى السياسية، دستوراً من أفضل دساتير المنطقة، وأعدوا، في نفس الإطار وبنفس الأسلوب، القانون الانتخابي المحلي والتشريعي. وإلى جانب ذلك أنعش المجلس العسكري الحياة السياسية بتسريح المعتقلين السياسيين والسماح للمغتربين بالعودة إلى بلادهم، وبتوسيع مجال الحريات وخاصة حرية التعبير.

وتم تتويج تلك المرحلة الانتقالية بتنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية في نهاية سنة ،2006 وتنظيم انتخابات رئاسية في ربيع السنة الموالية احتكم المتنافسون فيها إلى دورة ثانية، وفاز بها سيدي عبد الله ولد الشيخ بعدما عقد تحالفات سياسية مكنته، على الخصوص، من كسب منافسين كبيرين إلى جانبه.

ولقد نوه معظم المراقبين بسلامة ونزاهة تلك الانتخابات، ونوهت أوساط دولية واسعة كذلك بالمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وبرئيسه العقيد محمد فال ولد علي عندما نجحت تلك الانتخابات وتسلم الرئيس سيدي عبدالله ولد الشيخ زمام الحكم، وعاد العسكريون إلى الثكنات.

ولكن موريتانيا التي اجتازت بنجاح كبير المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الرئيس ولد الطايع ستجد نفسها مضطرة لاجتياز مراحل وأشواط انتقالية عسيرة في طريقها نحو استكمال مقومات الحياة الديمقراطية، وترسيخ المؤسسات التي تستند إليها هذه الحياة.

وجد الرئيس الموريتاني المنتخب نفسه أمام وضع شديد التعقيد. ولم يكن هذا التعقيد الشديد ناتجاً فقط عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجه البلاد، ولا عن التناقضات العرقية والقبلية التي تعاني منها، ولا عن الخلافات السياسية والايديولوجية بين مكونات المشهد الحزبي... بل كان هذا التعقيد الشديد ناتجاً كذلك عن انتقال موريتانيا إلى وضع سياسي جديد اهتزت فيه التصنيفات السابقة للقوى والأحزاب السياسية بعد أن حقق المجلس العسكري الكثير من المطالب والأهداف التي كانت تشكل العمود الفقري لبرامج تلك القوى والأحزاب في عهد الرئيس ولد الطايع، وخاصة المطالب والأهداف المتعلقة بتحرير السجناء السياسيين وإصلاح الدستور والقوانين الانتخابية، وتنظيم انتخابات نزيهة. وتعاظم اهتزاز المشهد السياسي والجزبي الموريتاني أثناء المنافسة الرئاسية حيث تشابهت البرامج الانتخابية وكادت تتطابق، وسهل معها انتقال قوى وشخصيات سياسية ذات تاريخ عريق في المعارضة إلى مساندة المرشح الرئاسي سيدي عبد الله ولد الشيخ الذي كان ينعت بمرشح المجلس العسكري.

وفي ظل هذا الوضع السياسي الذي نشأ في عهد المجلس العسكري، وتكرس بعد انجاز مهام المرحلة الانتقالية، وجدت موريتانيا، كما ذكرنا، نفسها في حاجة إلى مراحل وأشواط انتقالية أخرى تستكمل خلالها بناء المؤسسات وترسيخ الآليات الديمقراطية، وإعادة ترتيب مكونات المشهد السياسي والحزبي في ضوء العهد الجديد.

وإذا كانت موريتانيا قد وفقت في اجتياز أول شوط مهم يتعلق برئاسة المجلس النيابي عندما توافقت معظم مكونات هذا المجلس على اختيار المعارض العريق مسعود ولد بولخير رئيساً للمجلس المذكور، فإنها لم تكن قادرة منذ البداية على تشكيل حكومة سياسية مستندة إلى أغلبية برلمانية مريحة تضمن لها الاستقرار والمساندة. وكانت التشكيلة البرلمانية نفسها، إذا استثنينا بعض نواب الأحزاب المتمرسة، تعاني من التفكك والتشتت، وتفتقد إلى ما يجمع صفوفها، ويحدد توجهاتها.

وبالنظر إلى هذا الوضع اعتمد الرئيس ولد الشيخ، من جهة، على حكومة تكنوقراطية قادها محتل المرتبة الثالثة في السباق الرئاسي زين ولد زيدان منذ مايو/ أيار من العام الماضي، واتجه، من جهة ثانية، إلى إعادة ترتيب وهيكلة المشهد الحزبي بالتركيز على ايجاد إطار حزبي ينتظم فيه مؤيدو البرنامج الرئاسي من الناشطين السياسيين والبرلمانيين.

وعلى الرغم من الاعتراضات الشديدة التي أبدتها بعض أحزاب المعارضة السابقة ضد تأسيس الإطار الحزبي الجديد، فإن هذا التأسيس يمثل شوطاً مهماً وحيوياً في سياق إنعاش الحياة السياسية في البلاد، وتأمين أغلبية منظمة للحكومة، وضمان الاستقرار الضروري لهذه الأخيرة.

وبعد تأسيس العهد الوطني للديمقراطية والتنمية، وتحديد توجهه، واختيار أجهزته القيادية، اعتقد الرئيس ولد الشيخ. أن إمكان تأسيس حكومة سياسية تستند إلى الحزب الذي بات يمثل الأغلبية النيابية، أصبح إمكاناً واقعياً، وأن الحكومة التكنوقراطية قد استنفدت دورها خاصة بعد الهزات الاجتماعية والأمنية التي رافقتها.

ولكن التطورات السياسية المثيرة التي عرفتها موريتانيا منذ مايو/ أيار الأخير، تبين أن مسيرة هذه البلاد نحو ترسيخ المؤسسات والآليات الديمقراطية لا تزال طويلة وتتهددها مخاطر حقيقية لا تستبعد معها الانتكاسات والتراجعات وتحتاج إلى مزيد من النضج، وتتطلب مستوى أفضل من الوعي بالمسؤولية وإعلاء المصالح العليا للبلاد.

ولقد كان غريبا حقا أن ينجح رئيس العهد الوطني للديمقراطية والتنمية يحيى ولد أحمد الواقف في بداية مايو الأخير، في تشكيل حكومة سياسية أغلب وزرائها من حزب الأغلبية، وفي إشراك حزبين معارضين سابقين في هذه الحكومة يعززان صوتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي نيل المصادقة البرلمانية على هذه الحكومة... ثم تندلع المعارضة ضد تلك الحكومة، بعد بضعة أسابيع على تأسيسها من داخل الحزب الذي تستند إليه، ومن قبل النواب الذين تعتمد عليهم. ولم تقف المعارضة عند النقد، أو الامتناع عن التصويت لفائدة المشاريع الحكومية في البرلمان، أو التصويت ضدها.. بل وصلت إلى حد تعبئة ما يقارب نصف عدد النواب لتقديم طلب عقد جلسة برلمانية لسحب الثقة من الحكومة.

وإذا كان الرئيس ولد الشيخ قد تجنب ممارسة صلاحياته الدستورية بحل البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة، وقبل استقالة حكومة ولد أحمد الواقف الأولى، وكلفه تشكيل حكومة ثانية يراعي في تشكيلها بعض الاعتراضات التي سجلت في حق الحكومة الأولى، وجنب بلاده بذلك أزمة سياسية هي في غنى عنها في ضوء التحديات الكبرى التي تواجهها.. فإن تشكيل الحكومة الجديدة في السادس عشر من الشهر الجاري لا يعني أبداً أن الطريق أصبحت سالكة في وجه المؤسسات الديمقراطية الموريتانية. ويتعين الصبر على هذه التجربة حتى يصلب عودها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"