ساركوزي والآمال عبر بوابة دمشق

02:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

من دمشق إلى باريس، ومن طرابلس إلى نيويورك، كان حضور ساركوزي الفرنسي- الأوروبي وكوندوليزا الأمريكية لافتاً، حيث حلا ضيفين على سوريا وليبيا. وبغض النظر عن ان الضيفين الكريمين كانا قد قدّرا سعة صدر الصائم العربي فاحترما القواعد الشرعية للخيط الأبيض من الخيط الأسود في البلدين الشقيقين، أو انتهكا قواعد اللعبة الدولية لبروتوكولات قصر الاليزيه، والبيت الأبيض، فيبقى مأمولاً بالنسبة لسوريا وليبيا جدية فرنسية أمريكية تجاه الأمة العربية قد تنقلها يوماً إلى الاستقرار الذي لم تحصل عليه منذ أكثر من 60 سنة، على أمل أن تنهج واشنطن وباريس موقفاً جديداً ليس تجاه ليبيا وسوريا فحسب، بل تجاه كل الدول العربية.

من راقب الإعلام الغربي خلال اليومين الماضيين، وقرأ وسمع بدقة ما ذكرته وجد كلمة العزلة تتكرر وهي تنسب إلى سوريا تحديداً، خاصة الصحف الأمريكية والأوروبية، إذ تم تصوير دمشق وكأنها عاصمة الظلام التي لم يدخلها النور أبداً، الا من خلال كشافات حملها ساركوزي يوم الأربعاء، ولا يعلم هؤلاء أن سوريا موجودة على الخريطة في قلب الوطن العربي، وليست جزءا من غابات إفريقية لم يصلها الإنسان، وعاصمتها دمشق عاصمة الأمويين ولها مطاراتها وموانئها المفتوحة على كل الاتجاهات، فلماذا هذا التركيز على ان هناك عزلة تحيق بدمشق، وقد جاء ساركوزي ليفك أسارها؟

القارئ العربي أو بالأحرى الشارع العربي لم يعد مهتماً بافتراءات الإعلام الغربي والعواصم الغربية، لأنه لا يحتاج إلى قارئة فنجان لمعرفة طلاسم أهداف الغرب، فلم يعد العربي ذلك الأمّي الذي ولدته أمه أمّياً تتباهى به الأمم لمحو أميته، وتساوم عليه العواصم لانتساب شهادات تخرجه إلى مدارسها وجامعاتها من باريس ولندن وواشطن، على أنها العواصم الوحيدة للتعلم والتعليم، وان الخريجين منها كادوا يؤمنون بأن الأمية وراثة عربية، وان محو الأمية حضارة غربية.

الوقع ليس كذلك، فمن البحر إلى النهر، ومن النيل إلى الفرات، العربي كان قارئا بغض النظر عما إذا كان فراتيا أو نيليا، ساحلياً كان أو جبلياً أو صحراوياً، انه قارئ وكاتب بالوراثة، بحكم انتمائه لأمة فتح ملفها بكلمة اقرأ، وبقوة إيمانه برب أقسم من أجله بوالقلم وما يسطرون فكان يقرأ ويكتب باللوح الخشبي، والقصب النجفي، ويخطّ بالمداد الجصّي والآجري، قبل ان يتم ابتعاثه إلى تلك البوابات في نيويورك وباريس، فمهما تنوعت اليوم تلك البوابات، يبقى القارئ العربي مداناً لعواصمه التي علمته في مهده، خاصة في الستينات والسبعينات، إذ ما كان القارئ العربي يدخل مكتبات الوطن العربي الكبير في تلك الفترة ليرفع كتابا يقرأه، إلاّ ووجد على ظهر الغلاف ما ينسب طبعه إلى إحدى العواصم العربية: (طبع في بيروت أو القاهرة، أو دمشق أو بغداد).

هذه العواصم الأربع في تلك الفترة لم يعجب أعداءها أن تبقى مطلة علينا، ومفتوحة على المقبلين عليها من الطلاب والطالبات، وكانت لنا تلك السنوات العجاف حيث أقفلت تلك العواصم في وجه أمتها قصراً، فالقاهرة لم تكن تحاورنا يوما باسم المقاطعة، وبيروت كنا لا نرى فيها غير اضواء القنابل والمتفجرات باسم الحرب الأهلية، أما دمشق وبغداد فكانتا في مرمى نار الأعداء.

وجود رايس يوم الجمعة في طرابلس كأول وزير خارجية أمريكي يزور ليبيا منذ زيارة جون فوستر دالاس عام ،1953 ثم ريتشارد نيكسون الذي زارها كأرفع مسؤول امريكي حين كان نائبا للرئيس الأمريكي عام ،1957 هذا التواجد الأمريكي المفاجئ بعد غياب طويل، وصفه المراقبون بتحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا، وربطه البعض الآخر بهشاشة الاقتصاد الأمريكي المتعطش لرائحة النفط، حيث تمتلك الجماهيرية تاسع أكبر احتياطي نفطي في العالم بإجمالي يناهز 39 مليار برميل إضافة إلى الحقول التي لم يتم اكتشافها بعد.

ومواصلة رايس جولتها بعد ليبيا في شمال إفريقيا متنقلة من تونس إلى الجزائر فالمغرب، وهي الطريق التي كان ساركوزي قد سلكها من قبل، مباشرة بعيد دخوله قصر الاليزيه كرئيس فرنسا، حيث كان هو الآخر من أول المهرولين إلى ليبيا حاملاً ملف البلغاريات، وعينه على النفط كما هي حال رايس: هل يعني كل ذلك أن أمريكا عادت إلينا من دون أن نعود إليها؟ وهل يعني ان الغد القادم سينهي الغرور والغطرسة الأمريكية/الأوروبية بإقرار بالحقوق العربية المشروعة من الخليج إلى المحيط؟

ان الاستقرار هو الدواء الشافي لأمراضنا الاقتصادية والسياسية من نيويورك إلى داكار، واستقرار القارات اهم من استقرار القرارات، وما القمة الرباعية السورية الفرنسية القطرية التركية الأخيرة في دمشق، إلا المثال على الجهد المبذول لبلوغ السلام الذي يشكل هدفاً سامياً لكل شعوب العالم ومن بينها الشعب العربي، لكن المهم هو أن تدرك قوى الهيمنة والعدوان، وخصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل أن السلام لن يتحقق إلا بالتزام القانون الدولي وحقوق الإنسان والشرعية الدولية، ونبذ العنصرية والإرهاب.

* كاتب إماراتي

[email protected]

www.unipex.org

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب إماراتي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"