قصة رئيسين

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
قادة الدول مثل سائر البشر، ليس كل ما يتمنونه يدركونه. أراد الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين طي صفحة الخلافات والمواجهة، وبدء عهد جديد من التعاون والتقارب، ولكن جاءت الرياح بما لا يشتهيان، بل بعكس ما تمنياه تماماً. العقوبات الأمريكية والرد الروسي قوضت آمال الرئيسين، وأجلت أحلامهما إلى أجل غير مسمى.
وجد بوتين في فوز ترامب الفرصة التي انتظرها طويلاً ليدشن عصراً ذهبياً من العمل المشترك مع واشنطن بعد سنوات القطيعة والصدام خلال حكم أوباما. على الجانب الآخر بدا ترامب متلهفاً إلى إعادة الدفء للعلاقات الباردة مع موسكو. ولم يحاول قط إخفاء إعجابه بنظيره الروسي ورغبته في تطوير التعاون معه.
وسواء كان اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية صحيحاً أو كاذباً، فقد قضى على فرص التقارب. وسيدفع بوتين ثمن ذلك الاتهام الخطير حتى ولو لم يكن قد اقترف تلك الجريمة. سيدفع أيضاً ثمن طموحه السياسي وسعيه الدؤوب لاستعادة دور روسيا ونفوذها على المسرح العالمي. كان من المستحيل أن تمر مغامراته في سوريا وأوكرانيا بلا حساب من واشنطن، حتى ولو كان الجالس في البيت الأبيض هو ترامب المعجب به، والساعي للتقارب معه.
العقوبات الأمريكية الجديدة ستزيد الصعوبات الداخلية التي يواجهها بوتين لاسيما مع تراجع أسعار النفط، وهروب المستثمرين، وهبوط معدل النمو الاقتصادي إلى 1% بعد أن كان 5% في سنوات حكمه الأولى.
ترامب ليس أسعد حالاً. أوقعه حماسه المتقد، وقلة خبرته السياسية في أزمة معقدة. أسرف في مدح بوتين، وتحدث بلا تحفظ عن نيته في التعاون معه، دون أن يدرك أنه ينزلق إلى منطقة ملغومة في السياسة الأمريكية. لم يستوعب ترامب القادم من خارج النخبة السياسية التقليدية حجم العداء والشكوك المتجذرة لدى هذه النخبة تجاه روسيا. وجد نفسه في صدام مبكر مع الكونجرس وأجهزة المخابرات والدفاع والبيروقراطية الحكومية. أي كل ما يعرف باسم الدولة العميقة، بما في ذلك حزبه نفسه.
ازداد موقفه تعقيداً بعد اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات التي جاءت به رئيساً. ثم ساهم بنفسه في تفاقم أزمته بإصراره على التشكيك فيما توصلت إليه المخابرات من أدلة على تورط الروس. ولم يعترف بما يثار حول علاقات الدائرة القريبة منه بموسكو، مما ضاعف الشكوك بأنه يخفي شيئاً ما.
ومع ذلك فإن المشكلة الحقيقية التي تواجه ترامب مع روسيا ليست في تدخلها المزعوم في الانتخابات أو علاقات بعض مساعديه بها، ولكن في قدرته على مواجهة السياسة الخارجية التي يتبناها بوتين والرامية إلى استعادة وضع بلاده كقوة عظمى. وبتعبير آخر وفقاً لما جاء في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأسبوع الماضي، فإن الأزمة الحقيقية هي أن روسيا تتجرأ بصورة متزايدة على تحدي الغرب. ومن ثم فإن خطر صراع قوى عظمى يتزايد على نحو أكبر مما كان عليه خلال الحرب الباردة.
مأزق ترامب هنا أنه لا يستطيع أن يتجاهل التحدي الروسي، وعليه أن يفرض عقوبات، وحبذا لو كانت صارمة لكي ينفي عن نفسه تهمة التعاطف مع روسيا من ناحية، ولإرضاء الصقور في حزبه من ناحية أخرى. غير أن هذا التشدد يغضب حلفاءه في أوروبا الذين استقبلوا العقوبات الجديدة بحالة من الاستياء بسبب تأثيرها في شركاتهم المتعاملة مع روسيا خاصة في قطاع الطاقة. لا يخفي الأوروبيون قلقهم من الأضرار التي ستلحق بمصالحهم جراء العقوبات الأمريكية، في وقت تمثل فيه صادرات الغاز الروسي شريانَ حياة حقيقياً لاقتصاديات بعض بلدانهم.
هذه باختصار قصة رئيسين أرادا شيئاً وأجبرتهما الأحداث على القيام بعكسه. كلاهما تمنى أن تشرق شمس فجر جديد من التقارب والعمل المشترك، وكلاهما وقع بيده قرارات العقوبات المتبادلة. السطر الأخير في القصة يقول إن رؤساء القوى العظمى أضعف كثيراً مما نعتقد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"