قل للزمان

كلمات
23:52 مساء
قراءة دقيقتين

الطريق من الشارقة إلى أبوظبي طويل جداً إن كنت في الطريق وحدك، لكن حين يكون ثمة رفيقة درب قريبة من القلب، لا تعرف كم من المسافة مشيت أو كم من الوقت قطعت، ولا كيف وصلت. هذا ما حدث لهما حين كانتا تقطعان الطريق هي وزميلتها في مهمة عمل، حيث سحبها الحديث إلى البعيد، وتعرض للعديد من أجواء الانفعالات، وما يمس المشاعر.

انتبهت أن صديقتها وهي أخصائية نفسية كانت تمرر حديثها تحت مجهر استشاراتها، في طريق العودة، والحديث الذي كان متبادلاً من الطرفين، من أخت لأختها أخذ منحى آخر، وتحول إلى جلسة حوار ونقاش وجدل عقلاني بحت مر بكل مدارس علم النفس، وجرى تدارس مدى مشروعية التضحيات التي يمكن أن يقدمها الإنسان للآخرين ومدى استحقاقهم لهذه التضحيات، إن برضى نفس أو مجبر فيها لا بطل.

وفي لحظة انفعال صمت، بعد ما تحول الحديث إلى ما يشبه أحوال الطقس هذه الأيام، حيث لم نعد نعرف هل ستبرق وترعد وتمطر، أم ستشرق الشمس ويغيم الضباب بدل الغيوم، باغتتها صديقتها بالقول: الآن أجيبيني، ما اللحظة التي لو ملكت عجلة الزمن بيدك لأعدتيها وغيرت مجرى أحداثها لما فيه صالحك؟

أمسكت عجلة الزمن وعادت عاماً، عامين، عشرة أعوام، عشرين عاماً، ثلاثين، أربعين، خمسة وأربعين، ستة وأربعين، تسعة وأربعين.. و؟؟ تذكرت مازالت على مشارف الخمسين، كم تعبت من دفعها لعجلة الزمن. ثقل العجلة لم يكن في حجمها ولا في المسافة التي قطعتها، لكن في الأحداث التي حوتها هذه الفترة الزمنية بكل تداعياتها، والذاكرة غير المثقوبة تخزن ليس في الكم ولكن في الكيف أكثر.

أدمعت عيناها، وابتسمت، وقالت لها إنه ليس هناك لحظة من حياتها تفكر في أن تعيدها وتغيّر مجراها، كيف لها أن تغيّر ما لا تملك التحكم فيه، حين لم تستطع أن تغيّر على طول هذه السنوات ما كانت تملكه وتحكم فيه. عجلة الزمن بيد مالكها فكيف لها أن تغيرها لتعيد ترتيب حياتها وهي من ضيّعت ما تملك. حين يعود الزمان بأمر مالكه، ستعيد التفكير في السؤال، وستبقى تردد إلى ذلك الوقت وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يا زمان.

حين وصلتا إلى بر الأمان، إلى الشارقة، وترجلتا من السيارة، أتت صديقتها باتجاهها وقالت لها شكراً، ولو رجع الزمان ساعات مضت ما تمنيت أروع من لحظات هذه الرحلة الجميلة، ولن أقول قول للزمان ارجع يا زمانش، لكن سأقول شكراً لك. ظننت أنني المغفلة الوحيدة بهذا الكون، لكنك شاركتني هذا الواقع، لذلك علينا أن نلزم الصمت ولا نتجه للمحاكم للمطالبة بحقوقنا المسلوبة منا، لأن القانون لا يحمي المغفلين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"