مستقبل قطاع العلاقات العامة

02:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي *

أشار تقرير هولمز؛ المسح الرئيسي لكبريات شركات العلاقات العامة في العالم، إلى تباطؤ طفيف في نمو ذلك القطاع الخدمي العام الماشي، وإن ظل الحجم المالي للقطاع عند 15 مليار دولار تقريباً، كما كان عليه عام 2016. وحقق القطاع نمواً بنسبة 5% في المتوسط، وهي نسبة تأثرت بتراجع نمو الشركات الكبرى؛ إذ إن الشركات المتوسطة والصغرى حققت نسب نمو تزيد أضعافاً على معدلات نمو الشركات الكبرى.
وربما كانت تلك الملاحظة الأساسية في التقرير، فعلى الرغم من استمرار الشركات العالمية الكبرى كمستحوذ على القدر الأكبر من القطاع، إلا أن هذا التوجه آخذ في الاضمحلال لصالح الشركات المتوسطة والصغيرة. صحيح أنه تقليدياً يعد الحجم مهماً في الأعمال، لكن في قطاع ينمو وتتطور أدواته بسرعة متأثراً بالتطور التكنولوجي والتغيرات في مجال الاتصال والتواصل عموماً، قد يصبح الحجم عبئاً؛ إذ تميل شركات العلاقات العامة الكبرى إلى اعتماد الأساليب التقليدية، وتكون بطيئة في التغير، بينما لدى الشركات الأصغر، مرونة كبيرة في التعامل مع متطلبات متغيرة وسوق متطور بسرعة.
وربما هذا ما جعل نتائج المسح السنوي للقطاع تُظهر نمواً أفضل بشكل طفيف في أوروبا، عنه في أمريكا؛ حيث تسيطر الشركات الكبرى. وتظل مناطق جديدة في آسيا وإفريقيا توفر فرصاً أفضل لنمو القطاع، يمكن للشركات المتوسطة والصغيرة الاستفادة منها، ربما بشكل أفضل من الشركات الكبيرة.
وبعيداً عن تقرير هولمز، وأرقام القطاع السنوية، يمكن القول إن العلاقات العامة كصناعة تشهد تحولاً مهماً في السنوات الأخيرة، يمكن إيجازه في عوامل ثلاثة هي: علاقة القطاع بالإعلام، والتداخل مع التسويق والترويج، وتنوع قاعدة العملاء. وبالنسبة للعامل الأخير، ربما كان الملمح الأهم في الحد من نمو القطاع في السنوات الأخيرة من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمان استمرار الأعمال.
ببساطة، ومنذ الأزمة المالية العالمية قبل عشر سنوات، تُقلص الشركات ميزانيات العلاقات العامة، وتعمل على تطوير إدارات اتصال دون الحاجة لتعاقدات خارجية. وبالطبع، أثّر ذلك على توسع أعمال شركات العلاقات العامة، لكنه في الوقت نفسه وفر فرصة تعاقدات استشارية لتمكين العملاء التقليديين من تكوين إدارات خاصة بهم في أعمالهم، كما أن خدمات القطاع لم تعد مقتصرة على الشركات والأعمال فحسب؛ بل أصبح هناك طلب من الأفراد؛ سواء الشخصيات من قطاع الأعمال والاستثمار، أو من الشخصيات العامة والرسمية. وكان لنمو الطلب في هذا الجانب بالتحديد، الأثر الأهم في الحفاظ على نمو القطاع.
أما التداخل بين العلاقات العامة والتسويق، فهو الصعوبة التي تواجهه القطاع الآن، ولسنوات قليلة مقبلة، خاصة مع التطور التكنولوجي وإجراءات الكفاءة المالية التي تطبقها الأعمال، التي تعد الزبون الرئيسي لخدمة شركات العلاقات العامة.
وإذا كانت الشركات التقليدية الكبرى في القطاع تقاوم بشكل واضح هذا التوجه؛ فإن بعض الشركات المتوسطة والصغيرة، تتجاوب مع الشكل الجديد للطلب من العملاء، بالربط بين العلاقات العامة والتسويق. صحيح أنه هناك ربط بشكل أو بآخر، ولكنه تقليدياً كان تنسيقاً بين خدمتين مختلفتين في الأسلوب والأدوات.
وما زالت الشركات المتوسطة الحجم والصغيرة، لم تصل بعد إلى توازن يحافظ على أساسيات خدمة العلاقات العامة، من دون تغول التسويق والترويج عليها، وهو ما يهدد الصناعة ككل، ويجعلها مجرد «قسم» في صناعة التسويق والترويج.
يبقى العامل الأهم الذي يؤثر في قطاع العلاقات العامة، هو علاقته بالإعلام، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، وبروز وسائل التواصل والإعلام الرقمي بشكل عام.
وإذا كانت العلاقات العامة تقليدياً، اعتمدت على العلاقة مع الصحفيين والإعلاميين، بمعنى تمرير الرسالة من خلالهم، فإن تلك الشركات الآن، تسعى للقيام بذلك مباشرة. وقد بدأ هذا التوجه منذ فترة، ومن ملامحه سعي تلك الشركات للاستعانة بصحفيين ضمن طواقمها، ليقوموا بالمهمة مباشرة بالطبع مع عدم التخلي عن عناصر الإبداع الأساسية في العلاقات العامة التي تخطط وتضع استراتيجية إيصال رسالة العميل للجمهور.
وما زال القطاع يمزج بين الأمرين؛ وضع وتوزيع البيانات الصحفية، وفي الوقت نفسه نشر قصص مباشرة عبر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل.
وإلى أن تستقر صناعة العلاقات العامة على طريقة وسط، تضمن لها استمرار طريقة عملها وتلبية متطلبات زبائنها، سيظل التأرجح بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي هو السائد، والشركات الأكثر مرونة في التوفيق بين الاثنين، تحصل على النصيب الأفضل من السوق. وفي الوقت نفسه، ما زالت أمام الشركات الكبرى في القطاع فرصة لتحسين أوضاعها وزيادة فرص نموها، واكتسابها عملاء جدداً بتطوير الشكل الأفضل للمزج بين الشكل التقليدي واستغلال الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الجديدة. وهنا يفيد الحجم، ورأس المال بالطبع، في القدرة على توظيف مهارات جديدة قادرة على الإبداع في سبل الاتصال ونشر الرسالة بغير النص؛ أي بالأدوات البصرية من البومات صور وفيديو وجرافيكس، وجي آي إف GIF، والتعامل مع سبل النشر والاتصال الجديدة.
والمهم هنا، ألاَّ تنساق شركات القطاع مرة أخرى، وراء ما تفعله شركات الإعلانات أو التسويق، حتى لا تفقد الميزة الأساسية لها كقطاع خدمي مختلف.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"