«العمود الفقري»..إصابات تعيق الاتزان

01:02 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس

العمود الفقري هو محور الجسم، والهيكل الذي يرتكز عليه الظهر وبقية الأعضاء، ويتكون من 33 فقرة تمتد من قاعدة الجمجمة حتى منطقة الحوض، وتختلف هذه الفقرات بحسب مناطق تواجدها، وترتص فوق بعضها، ويفصل بينها وسادات أو أقراص مرنة لامتصاص الأحمال والضغط، وتنقسم إلى سبع فقرات عنقية توجد في منطقة الرقبة، و12 فقرة صدرية متوسطة الحجم ومنحنية للخلف، و5 قطنية توجد في البطن لدعم وزن الجذع، وهي الأكثر تعرضاً للإصابات، إضافة إلى خمس فقرات عجزية ملتحمة ببعضها كفقرة واحدة في منطقة الجزع، وأربع فقرات عصعصية ينتهي بها العمود الفقري، وفي السطور القادمة يخبرنا الخبراء والاختصاصيون عن الأعراض والمضاعفات والطرق العلاجية لهذه المشكلات المرضية.

يقول الدكتور طارق أبو زعكوك، استشاري جراحة تقويم العظام: إن وظيفة العمود الفقري تتمثل بشكل أساسي في حماية النخاع الشوكي وأعصابه التي تعتبر المسؤول الرئيسي عن نقل الإشارات من الدماغ إلى بقية الجسم، كما أنه يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على وضعية الجسم المستقيمة والمنتصبة، ويساعد على الانتقال من وضعية إلى أخرى، وتوفير الدعم الهيكلي والتوازن، وتستهدف إصابات العمود الفقري أي فئة عمرية، ولكن تختلف الأسباب بين شريحة وأخرى، وتعود العوامل المرضية إلى ممارسات خاطئة، مثل رفع الأوزان الثقيلة، والكسل، وعدم الحركة أو ممارسة الأنشطة الرياضية المطلوبة التي تسهم في تقوية العمود الفقري وصحة الجسم. وبشكل عام، تعتبر هذه المشكلات من أكثر الأمراض شيوعاً في العصر الحالي، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه من خلال إجراء تعديلات طفيفة على أنماط حياتنا وأنظمتنا الغذائية، يمكن توفير قدر من الوقاية لأنفسنا، والحيلولة دون المعاناة من هذه الأمراض، خاصةً مع التقدم بالعمر.

مشكلات متعددة

ويشير د. طارق إلى أن أي خلل أو عارض يصيب منطقة العمود الفقري، يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن أشهرها وأكثرها حدوثاً هي الانزلاق الغضروفي، حيث يعاني المريض من آلام في أسفل الظهر، وتمتد إلى الرجلين، ويشعر المريض بالألم عند الجلوس لفترات طويلة ورفع الأثقال، وتنميل بالأطراف وآلام محددة، ويكون سببها الضغط على أحد الأعصاب، وتتضمن قائمة الأمراض الأخرى هشاشة العظام وضيق القناة الفقرية، وكذلك اضمحلال الغضروف والضغط على الأعصاب الخارجة من العمود الفقري إلى أسفل الجسم أو إلى الأطراف.

ويضيف: في بعض الحالات تستهدف إصابات العمود الفقري الشباب، وخاصة أولئك الذين يحملون الأوزان الثقيلة، أو يجلسون لفترات طويلة، ويكون سببها في معظم الأحيان الانزلاق الغضروفي، أما مع تقدم العمر، فيلاحظ حدوث تغيرات في العمود الفقري، كالتقوس وهشاشة في العظام، وهو ما يؤدي إلى حدوث الكسور، وينجم عنه ضيق في قناة العمود الفقري، ويتسبب في حدوث ضغط على الأعصاب المرتبطة بالأطراف.

مضاعفات مرضية

وينبه د. طارق إلى أنه في بعض الأحيان تأتي المضاعفات لدى مرضى الانزلاق الغضروفي على هيئة آلام شديدة يسببها الضغط على الأعصاب، كما يعاني المريض من فقدان جزئي للحركة في الطرف المصاب، وخاصة في الحالات التي لا يتم علاجها في الوقت المناسب، أما عند كبار السن، وعندما تضيق قناة العمود الفقري، فتكون النتيجة هي الحد من حركة الأشخاص ليصبح مقدار مسافة المشي قليلة جداً، وتصاحبها آلام وتنميل في القدم أو الجسم، وتكون الحركة شبه مستحيلة في بعض الحالات، كما تنتشر مشكلة هشاشة عظام على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، ويعد ذلك بإصابة العظام بالكسور، ويعزى ذلك إلى عدم قدرتها على تحمل الإصابات، ومقاومتها للصدمات، إضافة إلى أنها تكون غير قادرة على تحمل وزن الجسم إذا زاد عن المعدلات الطبيعية، وهناك أسباب كثيرة للمرض، ومنها ما يتعلق بالعامل الوراثي، ولا ننسى قلة النشاط البدني، وخلل النظام الغذائي، خاصة إذا اقتصر على العناصر الغذائية الأساسية، ويعتبر التقدم بالعمر سبباً آخر، نظراً للخلل الهرموني الذي يعتري الجسم، ومن العلاجات التي يوصي بها الأطباء الأنشطة الرياضية، والإكثار من الأغذية الغنية بفيتامين (د)، مع إضافة عنصر الكالسيوم، وينصح بتناول الأدوية الهرمونية.

انفتاق الغضروف

ويذكر الدكتور عمرو ثروت، مختص علم الأعصاب، أن الانزلاق الغضروفي حالة طبية يتصلب فيها جزء من الغضروف، وينزلق خارج مكانه الطبيعي فيضغط على الهياكل المحيطة والأعصاب والأربطة، ومن أهم أسباب الإصابة بهذه الحالة الصدمة وحوادث المرور، وممارسة الرياضة بطريقة خاطئة، والإصابات الصناعية التي يمكن أن تتسبب في انفتاق الغضروف، ومع ذلك، تنتج معظم حالات الانفتاق بسبب الانتكاسات (بخلاف العادي والطبيعي منها) والناجمة عن الحوادث البسيطة التي تحدث خلال ممارسة الأنشطة اليومية العادية، وتتمثل أعراض الإصابة عند الضغط على الغضروف المنزلق، في الشعور بألم مركزي في الجزء المصاب من الجسم في الرقبة أو الظهر. وإذا كان يضغط على العصب، فسيرافقه ألم في ذراع أو ساق، وغالباً ما يكون الألم يشبه الوخز بدبابيس وإبر أو خدر.

تشخيص الانفتاق

ويوضح د. عمرو أن تشخيص انفتاق الغضروف يتم عن طريق أخذ تاريخ الحادث الذي تعرض له المريض خلال ممارسة أي أنشطه غير عادية مثل حمل أشياء ثقيلة، أو وقوع إصابة رياضية، ثم يفحص الطبيب المصاب بحثاً عن أدلة، للتأكد من نقص القدرة على الحركة وعلامات اختلاف وظائف الأعصاب، ثم إجراء فحوص الأشعة. ويعد التصوير بالرنين المغناطيسي هو المعيار الأهم لتشخيص الانزلاق الغضروفي، وتعتبر الفئة العمرية من 40 إلى 60 سنة هي الفئة المستهدفة أكثر من غيرها، لأن الانحلال هو السبب الأكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين يعانون من الانزلاق الغضروفي.

تدابير علاجية

ويبين د. عمرو أن مخاطر الإصابة بانفتاق الغضروف تكون على شكل ألم ربما يكون مزمناً، مع انخفاض القدرة على أداء الأنشطة اليومية بشكل طبيعي، كما أن التأثير النفسي الناجم عن انخفاض النشاط واختلال وظائف الأعصاب والإعاقة، يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات تغيّر الحياة، مثل فقدان السيطرة على المثانة والأمعاء لدى عدد محدود من الأشخاص، ولذلك فإن علاج حالات انفتاق الغضروف يصمم ليناسب كل مريض اعتماداً على مدى تفاقم حالته وسماته، وتشمل مجموعة العلاج بث الطمأنينة ومسكنات الألم البسيطة وصولاً إلى الحاجة للعلاج الطبيعي، وتغيير نمط الحياة، وعلاج الألم باستخدام الحقن الشوكية، وفي نهاية المطاف التدخل الجراحي.

هشاشة عظم الفقرات

ويوضح الدكتور آجيت جوس، مختص أمراض العظام، إن هشاشة العظام في العمود الفقري، هو مرض يؤدي فيه تناقص قوة العظام إلى زيادة خطر انكسار العظام، وتعد هذه الإصابة أمراً طبيعياً خلال التقدم في السن، ولكن ربما يفقد بعض الأشخاص كثافة العظام بوتيرة أسرع من الطبيعي، وخاصة السيدات خلال السنوات القليلة الأولى بعد انقطاع الطمث، ولذلك فإنهن أكثر عرضة من الرجال، كما يمكن لعوامل أخرى كثيرة أن تكون سبباً في الإصابة، وتجعل المريض أكثر عرضة لهشاشة العظام في العمود الفقري، مثل:

- الاستخدام طويل الأمد لجرعات عالية من الكورتيكوستيرويدات عن طريق الفم، ومضادات الاختلاج والأدوية المضادة للسرطان.

- التهاب المفاصل الروماتويدي، أو الحالات المتعلقة بالهرمونات، أو أمراض الكلى، والمشكلات المزمنة التي تعيق حركة المرضى.

- وجود تاريخ عائلي بالإصابة بهشاشة العظام، والكسور في الورك.

- الإكثار من استهلاك الكحول والتدخين.

أعراض الإصابة

ويبين د. آجيث أن الأعراض المرتبطة بهشاشة العظام في العمود الفقري تتضمن الشعور بألم في الظهر، ويكون ناجماً عن فقرة ممزقة، وتناقص الطول مع مرور الوقت بسبب كسور فقارية ضئيلة ناجمة عن الضغط، ووجود انحناء أثناء الوقوف الناتج عن ضغط على الجزء الأمامي من الفقرة، ويعد انكسار العظم بسهولة أكبر من المتوقع من الأعراض الأكثر شيوعاً، وهناك عدد من العوامل التي يمكنها أن تزيد من احتمالية تعرض الشخص للإصابة في وقت مبكر، كالعامل الوراثي ووجود هشاشة عظام أو كسور ناجمة بين الأسلاف أو الأقارب المباشرين، أو أخطاء في التغذية كالاستهلاك المنخفض للكالسيوم والفيتامين (د) أو التعرض القليل لأشعة الشمس، وحالات سوء امتصاص الغذاء، والعادات السيئة كالاستهلاك المفرط للقهوة أو الكحول أو التبغ، وتناول أدوية محددة كالهرمونات القشرية السكرية أو مضادات الاختلاج، أو الإصابة بأمراض معينة، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي وغيرها من الأمراض الالتهابية الأخرى.

فحوص مختبرية

ويوصى د. آجيث أي مريض يزيد عمره على الخمسين عاماً، ويعاني من آلام في الظهر، بضرورة إجراء فحص لهشاشة العظام، كما تعتبر الأشعة السينية الفحص الأولي لتشخيص أي كسور أو ضغط على العمود الفقري ناجم عن هشاشة العظام، كما يمكن لفحص كثافة معادن العظام تشخيص المرض في وقت مبكر، ويمكنه أن يحدد مستويات خطر التعرض للكسور، حيث إنه يظهر عدد غرامات الكالسيوم والمعادن الأخرى الموجودة في مساحة سنتيمتر مربع من العظمة، وتعني نتيجة ناقص 2.5 أو أقل، وجود هشاشة عظام، أما نتيجة 1 إلى ناقص 2.5 فهي تأكيد الإصابة بتكلس في العظام، والذي يقود بدوره إلى هشاشة العظام في المستقبل، كما يعتبر مسح مقياس امتصاص الأشعة السينية ثنائي البواعث المعيار الذهبي لتشخيص الهشاشة.

خطة شفائية

ويؤكد د. آجيث أنه يمكن علاج الكسور المؤلمة بمضادات الالتهاب غير الستيرويدية والمسكنة للألم، ويحتاج الألم الحاد إلى العقاقير والراحة في السرير لفترة قصيرة، وينبغي تجنب الراحة لفترات طويلة، ويعتمد علاج هشاشة العظام في العمود الفقري على تناول المكملات من الكالسيوم والفيتامين «د»، وأقراص البايسفوسفونيت أو الحقن، ورذاذات الأنف الحاوية على مادة كالسيتونين وحقن تيربارتايد اليومية عند الحاجة.

أورام خبيثة

يمكن أن يصاب العمود الفقري بالأورام الخبيثة نتيجة نشأة بعض الخلايا المسرطنة أو الحميدة في داخل عظامه، ويطلق عليها الورم الحبلي، والساركوما الغضروفية أو العظمية، أو بسبب انتقالها من بعض الأعضاء الأخرى في الجسم، مثل أورام النخاع الشوكي، وكذلك الأورام السحائية والليفية العصبية، وتظهر أعراض الإصابة على المريض في صورة وجود كتلة في العمود الفقري، إضافة إلى انتشار الألم في الظهر والوركين والساقين والقدمين والذراعين، وتفاقمها مع مرور الوقت، وصعوبة المشي وتوازن الجسم، وضعف العضلات. ويعتمد علاج هذه الحالة على استئصال الورم باستخدام الموجات فوق الصوتية وجراحة الليزر، وتقنيات الدمج والتثبيت الحديثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"