الشعر الجاهلي في فخ الاستشراق

00:59 صباحا
قراءة دقيقتين
القاهرة: «الخليج»

يتصدر كتاب الدكتور عبد الرحمن بدوي «دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي» مجموعة من الأسانيد التي يضعها د. بدوي في اعتباره، ليوضح اندهاشه من الحملة التي أثيرت ضد الدكتور طه حسين، حين أصدر كتابه «في الشعر الجاهلي» سنة 1926، فما قاله العميد عن انتحال الشعر الجاهلي وفساد رواته ورواياته، وما أضيف إليه أو حذف منه، هو كلام سبق أن قاله علماء الأدب واللغة القدماء منذ القرن الثاني للهجرة، خصوصاً في القرنين الثالث والرابع.
في كتاب «طبقات الشعراء» لمحمد بن سلام الجمحي، نقرأ ، «في الشعر مصنوع مفتعل وموضوع كثير لا خير فيه». ويذكر ابن سلام أسباباً عدة لانتحال الشعر منها: كذب الرواة للتكسب بالرواية، وضع الشعر على لسان الشعراء الكبار مدحاً في الأجداد وتملقاً لذوي السلطان من المعاصرين طمعاً في نيل عطائهم، كما حدث لحماد في تأليفه قصيدة في مدح أبي موسى الأشعري ونسبتها إلى الحطيئة، طمعاً في نوال أبي بردة، انتحال القصائد للتفاخر القبلي، انتحال القصائد لأسباب دينية ، كما حدث بالنسبة إلى حسان بن ثابت.
تلك هي النتائج التي انتهى إليها ابن سلام الجمحي والأسباب التي ساقها لبيان منشأ الانتحال والتزييف والزيادة في الشعر الجاهلي، وهي عينها النتائج والأسباب التي أوردها الدكتور طه حسين في كتابه «في الشعر الجاهلي» ، وهنا يتساءل د. بدوي: «علام إذن كل هذه الضجة الزائفة التي أثيرت حول هذا الكتاب حتى نعتوا صاحبه بما شاءوا من النعوت؟ فاتهموه بالمروق والتهجم على التراث العربي العريق والرغبة في تحطيم أمجاد العرب والانسياق وراء مؤامرات المستشرقين، فهل كان ابن سلام الجمحي مستشرقاً هو الآخر ومتآمراً على التراث العربي القومي؟».
يوضح د. بدوي أن د. طه حسين لم يكن أول باحث في العصر الحديث بحث في صحة الشعر الجاهلي وأسباب الانتحال فيه، بل كان آخرهم، فكان أول الباحثين المحدثين الذين تناولوا هذا الموضوع بالتفصيل هو شيخ المستشرقين الألمان تيودور نولدكه في سنة 1861 في البحث الذي يستهل به د. بدوي كتابه هذا، أي أنه توصل إلى تلك النتائج قبل طه حسين بخمسة وستين عاماً ، فاستعان بنتائج البحث في اللغات السامية وما كشفت عنه النقوش الحميرية والسبئية، وبالمقارنة بما حدث في الآداب الأخرى، الأدب اليوناني، خصوصاً بالنسبة إلى هوميروس، وفي الأدب الألماني، ليسوق الأسباب الدقيقة التي تؤيد وتوسع من نطاق النتائج التي وصل إليها ابن سلام الجمحي، لكنها غير مؤيدة بالأسانيد التاريخية.
من الاستعراض الذي يقدمه د. بدوي يتبين أن صحة الشعر الجاهلي موضوع شغل الباحثين الأوروبيين منذ سنة 1861 على أقل تقدير، ووصلوا فيه إلى نتائج لا تزيد كثيراً عما وصل إليه ابن سلام قبل ذلك بأكثر من عشرة قرون، إنما امتازت أبحاثهم بالاستناد إلى الأسانيد التاريخية الموثقة، ونتائج اكتشاف لغات جنوب شبه الجزيرة العربية بفضل ما جمع من نقوشها، وما أدى إليه البحث المقارن في تاريخ أوليات الآداب في الأمم المختلفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"