القوة القادمة الهندية (2-2)

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
* د. لويس حبيقة

لم تنعم الهند بفترات استقرار طويلة؛ إذ اغتيلت أنديرا غاندي في سنة 1984 واستلم نجلها راجيف الحكم كرئيس للوزراء. في 1991، اغتيل راجيف، ففاز حزب المؤتمر بالانتخابات وتولى راو رئاسة الحكومة وسينغ وزارة المالية. على الرغم من أن نسب النمو الصينية هي أعلى، لكنها متقلبة أكثر بكثير من النمو الهندي. التحديات الحديثة التي واجهت الهند لم تكن أقل حدة من التقلبات الماضية بسبب العوامل الداخلية وخاصة الخارجية:

أولاً: كان لحرب الخليج الأولى تأثير كارثي على الاقتصاد الهندي بسبب حجم العمالة في المنطقة وتحويلاتها. في يونيو/حزيران 1991، كان للهند من الاحتياطي النقدي الأجنبي ما يكفي لاستيراد حاجات 13 يوماً من الاستيراد العادي علماً بأن الحد الأدنى المعتمد عالمياً هو 4 أشهر. من هنا طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة القيام بالإصلاحات المطلوبة.

ثانياً: من الإصلاحات الأساسية وقف العمل بالترخيص الصناعي الذي هدف إلى توجيه الاستثمارات إلى القطاعات والأماكن التي ترغب فيها الحكومة مما أوجد فساداً لا مثيل له. كان معدل التعريفات الجمركية 150% في سنة 1991 فخفض تدريجياً إلى 15% في سنة 2005. انتقلت الهند بسبب العقيدة الجديدة كما الحاجة إلى النظام الاقتصادي الحر دون أن تنسى الضمانات الاجتماعية المطلوبة.

ثالثاً: كما لحرب الخليج، كان للأزمة الشرق آسيوية في 1997- 1998 تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الهندي. العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول شرق آسيا كبيرة وواسعة ومزمنة وبالتالي خسرت الهند كثيراً. تأثر الاقتصاد الهندي أيضاً سلبا بالأزمة العالمية في 2008 خاصة بسبب العلاقات المتطورة مع أوروبا. 18% من صادرات الهند تذهب إلى دول الوحدة الأوروبية.

كيف يمكن وصف الواقع الهندي اليوم علماً بأن الاقتصاد هو على مفرق طرق كبير وواسع أي أن التحديات كبيرة ومستعجلة؟ نجحت الإصلاحات في رفع نسب الاستثمار والادخار إلى مستويات عالية. وصلت نسبة الادخار من الناتج هذه السنة إلى 30% ونسبة الاستثمار إلى 32%. تم تصحيح وضع الموازنات عبر دمج الإنفاق وتخفيف الهدر. استفادت الهند كثيراً من نقل الاستثمارات الغربية، وخاصة الأمريكية إليها بسبب التكلفة المنخفضة والنوعية العالية لليد العاملة الوطنية. لا شك في أن الهند مرتبطة بالتطورات الاقتصادية الدولية أكثر من أي وقت مضى. تتأثر كثيراً بالحرب التجارية المفروضة أمريكياً على الصين وغيرها.

مستقبل الهند الواعد سيتركز على عوامل مجتمعية منها تطوير التعليم النوعي خاصة التقني، وكذلك تطوير البنية التحتية في كل قطاعاتها. تواجه الهند وكذلك العديد من الدول مشكلة مياه قاسية لن تساعد على حلها الزيادات السكانية الكبيرة، وكذلك التطور المدني السريع. لا يمكن لشعب أن يكون منتجاً من دون مياه كافية صالحة للشرب والزراعة. استمرار الديمقراطية الانتخابية في دولة بهذا الحجم يدعو إلى الإعجاب والتقدير. لا بد للهند من أن تستفيد أكثر من جالياتها المنتشرة في معظم دول العالم أهمها في الخليج؛ حيث تحويلاتهم تعزز الاقتصاد. لا شك في أن التحديات كبيرة، لكن عزم الإدارة الجديدة يبدو أنه بالحجم نفسه، مما يشير إلى مستقبل هندي واعد وقريب.

* كاتب اقتصادي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"