لبنان.. نحو حكم «المثالثة»

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان


النتيجة الراجحة، في رأي مراقبين من أهل الخبرة والحصافة، أن يتجه لبنان تدريجياً نحو حكم المثالثة الرئاسية

لكل عهد من عهود لبنان الرئاسية أزمة مميزة، لعل الأزمة الأولى هي أزمة عام 1958 التي جاءت بقائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، مصحوباً بإصلاحات إدارية مستحقة ووازنة.

والثانية أزمة عام 1982 التي جاءت ببشير الجميل (اغتيل) ثم بأخيه أمين الجميل رئيساً للجمهورية، مصحوباً بمنازعات داخلية أنجبت حرباً اهلية بين قوى مسيحية متنافسة على السلطة، ما أدى إلى تدخل سوريا والسعودية، وجمْع ما تبقى من النواب في مؤتمر الطائف 1989؛ حيث توصلوا إلى وثيقة الوفاق الوطني الإصلاحية، وجاء بنتيجتها رينيه معوّض رئيساً للجمهورية.

أما الأزمة الثالثة فهي تلك التي تفجرت باغتيال معوض سنة 1990، والمجيء بإلياس الهراوي رئيساً للجمهورية، تزايدت خلال ولايته اعتداءات «إسرائيل» لدرجة تمكّنت معها من ترسيخ احتلالها بشريط واسع على طول حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة إلى أن تمكّنت قوى المقاومة اللبنانية في مايو/أيار 2000 من إكراهها على الجلاء منه بلا قيد أو شرط.

بعد الهراوي جرى انتخاب قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية؛ وإذ تعذّر خلال ولايتي الهراوي ولحود تنفيذ إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف؛ بسبب منازعات داخلية طائفية وتدخلات خارجية، لتندلع أزمة بسبب إقرار مجلس الأمن الدولي القرار 1559 للعام 2004 القاضي بحلّ جميع الميليشيات اللبنانية.

خَلَف عمر كرامي الحريري في رئاسة الحكومة، وامتنع بدوره عن تنفيذ القرار 1559، فكان أن انفجرت في وجهه أزمتان قاسيتان: اغتيال الحريري، واندلاع اضطرابات أمنية وسياسية دامت أكثر من سنتين.

مع انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود في خريف عام 2007، اندلعت الأزمة الرابعة بتعذّر الاتفاق على خَلَف له، ما استدعى عقد مؤتمر لرؤساء التكتلات السياسية اللبنانية المتنازعة في الدوحة عام 2008 والتوافق خلاله على قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

مع تفاقم الأزمة السياسية والإاتصادية خلال عهد الرئيس ميشال سليمان اندلعت الأزمة الخامسة بتعذّر انتخاب خَلَف له لغاية خريف 2017؛ حيث تمّ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً.

أزمات سياسية عدّةَ رافقت وأعقبت وصول الرئيس عون إلى سدّة السلطة. غير أن أقساها هي الأزمة الناجمة عن إقرار الكونجرس الأمريكي «قانون قيصر» واعتزام إدارة ترامب تنفيذه في النصف الثاني من الشهر الجاري.

«قانون قيصر» ينصّ على رزمة عقوبات اقتصادية ضد سوريا وحلفائها، تستهدف أيضاً الأفراد والحكومات والشركات والمؤسسات التي تتعامل مع سوريا أو تقدّم لها أي تمويل أو مساعدة مالية بصيغة قروض أو ائتمانات تصدير أو توفير سلع وخدمات ومعلومات.

يبدو أن لبنان أشد المتضررين من «قانون قيصر»؛ ذلك أن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تحيط به من جميع الجهات تقريباً، ويتعامل شعبا البلدين ويتبادلان المنافع والسلع والخدمات بوتيرة يومية، فضلاً عن أن سوريا تزوّد لبنان بنحو 200 ميجاوات كهرباء يومياً ما يؤدي قطعها إلى إيقاع لبنان في عتمة قاسية.

سبق إعلان «قانون قيصر» تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي؛ وذلك زاد الأزمة الاقتصادية تفاقماً؛ فاندلعت تظاهرات صاخبة في العاصمة بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها تأتّى عنها حرق وتدمير أملاك عامة وخاصة وإغلاق أكثر من 150 محلاً تجارياً، وسحب أكثر من 60 في المئة من الماركات المستوردة من الخارج.

ولأن الوضع بدا وكأنه أفلت من يد السلطة أمنياً وسياسياً، بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى محاولة تدوير الزوايا بين التكتلات السياسية المتصارعة؛ وذلك بدعوة رؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء الوزراء السابقين ورؤساء الكتل النيابية ورؤساء الأحزاب إلى اجتماع في قصر الرئاسة في بعبدا في 25 يونيو/حزيران الجاري؛ لمناقشة الأوضاع العامة بكل جوانبها وتوحيد الموقف الوطني إزاء التحديات التي تحيق بالبلاد والمخططات التي تستهدفها بكل أطرافها وطوائفها وتكتلاتها. بصرف النظر عمّا يمكن أن يتوافق عليه المجتمعون من توصيات وإجراءات، فإن النتيجة الراجحة، في رأي مراقبين من أهل الخبرة والحصافة، أن يتجه لبنان تدريجاً نحو حكم المثالثة الرئاسية؛ ممثلةً برئيس الجمهورية الماروني ميشال عون، ورئيس مجلس النواب الشيعي نبيه بري، ورئيس الحكومة السنّي حسان دياب، على أن تصبح الحكومة، في ضوء ذلك كله، جهازاً تنفيذياً للقرارات التي يتوافق عليها الرؤساء الثلاثة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"