ارتياد آفاق بلا حدود

03:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يمثل المسبار إنجازاً عربياً وإسلامياً بما يضع هذا الإنجاز الإماراتي الباهر في موضعه اللائق والمتقدم.

خلال سبع سنوات، تحول ما كان يبدو حلماً إلى مشروع مكتمل التصميم والتجهيز والبناء، وخلال 83 يوماً تم نقل أجزاء المشروع بحراً وجواً إلى الشريك الدولي في اليابان، حيث ينطلق «مسبار الأمل» العربي الإماراتي على متن صاروخ أنجزته شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

بهذا تنضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى نحو 9 دول بينها الولايات المتحدة والهند والصين واليابان وروسيا، في مسعى طموح إلى اكتشاف كوكب المريخ وهو أقرب الكواكب إلى الأرض. وتعتبر بذلك الإمارات الدولة العربية الأولى التي يمتد طموحها لارتياد آفاق جديدة في الفضاء، وذلك بعد تجربة الرائد هزاع المنصوري في سبتمبر الماضي بصفته أول مواطن من دولة عربية يقيم في محطة الفضاء الدولية، وأول إماراتي يجري مهمة فضائية.

وتعود استعدادات الدولة لهذا الحدث إلى العام 2013، وذلك حين أبلغ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في اجتماع غير عادي مع فريق صغير أعضاء هذا الفريق الذي ضم خمسة أشخاص فقط بقرار الدولة إطلاق مسبار فضائي بحلول العام 2021، وأن هذا القرار الذي اتخذته القيادة السياسية هو قرار استراتيجي. وما إن انفضّ الاجتماع حتى بدأت الاستعدادات على قدم وساق وعلى مستويات مختلفة عبر مركز محمد بن راشد للفضاء ومركز الإمارات للفضاء وصولاً إلى وزارة العلوم المتقدمة، إضافة إلى جهات رسمية أخرى، لتجسيد هذا الطموح الذي يتلاقى مع اهتمام عالمي تبديه الدول المتقدمة ومراكز أبحاث الفضاء لاستكشاف «الكوكب الأحمر»، ويستأنف تراثاً عربياً وإسلامياً في مجال الكشوف العلمية، وتطوير العلوم. وفي صيف العام التالي 2014 وبناء على مخرجات الدراسة الأولية التي أعدها الفريق المصغر من المهندسين والخبراء، فقد تم الإعلان رسمياً عن المباشرة في تنفيذ المشروع، إذ أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، 2014 أن دولة الإمارات ستقوم بإرسال مسبار فضائي إلى المريخ. وفي نوفمبر 2015 بدأ العمل رسمياً على إعداد المسبار، أما العام 2017 فقد شهد بدء تصنيع النموذج الهندسي الكامل للمسبار، واختبار أجهزته وتعديلها. وتلا كل ذلك تصنيع نموذج طيران فعلي مع نهاية عام 2019 للمسبار.

ويسترعى الانتباه أن ظروف جائحة كورونا لم تُثنِ رعاة المشروع والقائمين عليه، عن المضي في العمل الدؤوب وفق الخطة المرسومة، والجدول الزمني، وبما ينطوي عليه ذلك من دروس التكيف الإيجابي مع التحديات.

إن ارتياد الفضاء ليس ترفاً وليس حديث خرافة كما كان الشأن في الماضي، بل هو تحدٍّ علمي لاكتشاف المجهول، عبر تصاميم وتجهيزات تقنية بالغة الدقة والتعقيد، والتوفر على مثل هذه الخبرة ومراكمتها من شأنه فتح الأبواب أمام إنجازات علمية أخرى، وهذا هو دأب الدول المتقدمة في اختراق آفاق جديدة تضيف إلى رصيدها العلمي الذي يستخدم في عديد المجالات.

ولطالما أثار كوكب المريخ مخيلات العلماء والأدباء ومؤلفي الخيال العلمي وصانعي الأفلام في الغرب وحتى إلى الرسوم المتحركة، بل إنه وجد له مكاناً في الأساطير حيث سمي باسم إله الحرب اليوناني مارس، وقد انشغل الفلكيون في سومر وبابل والصين ومصر بالكوكب منذ أكثر من 1500 عام قبل الميلاد. وما زالت الأبحاث تتوالى في عصرنا للتثبت مما إذا كان هذا الكوكب الذي يظهر بلون أحمر يتوفر على ماء، بما يجعله قابلاً للحياة على سطحه.

يمثل «مسبار الأمل» خطوة إضافية ومتقدمة في الأبحاث العلمية في العالم المتقدم ولوناً من ألوان الشراكة الناجعة في الجهد الدولي لاكتشاف المزيد من الحقائق وإجلاء الغموض حول جار الأرض الذي يبتعد عن كوكب الأرض بمسافة تتراوح حسب التقديرات العلمية بين 55 و60 مليون كيلومتر. وهي مسافة قصيرة نسبياً مقارنة بالمسافة التي تفصل كوكبنا عن كواكب أخرى.

يأمل المرء ويثق بكل جوارحه أن تمضي خطوات إطلاق المسبار وبلوغه سطح المريخ في طريقها المرسوم بكل دقة واقتدار، بما يحقق إنجازاً عربياً وإسلامياً يعزز من المكانة العربية في العالم، وبما يضع هذا الإنجاز الإماراتي الباهر في موضعه اللائق والمتقدم في سجل إنجازات البشرية ورصيدها العلمي والحضاري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"