نصف عام دراسي

04:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السويجي

التعليم الهجين، الذي تتناوب فيه المدرسة مع البيت لا يصلح لكل الأعمار، ويحصل فيه التلميذ على نصف عام دراسي

لم تكن تسمية المؤسسات المعنية بالتعليم ونشر المعرفة بمؤسسات التربية والتعليم اعتباطية، فارتباط التربية بالتعليم موجود منذ تشكلت المجتمعات، وحين كان أحد الآباء يرسل ابنه ليتعلّم كانوا يطلقون على الأستاذ المؤدّب، ولهذا قيل تأدّب فلان على يد فلان، أي حصل على التعليم والأخلاق والسلوك والصفات الشخصية الحميدة وعلومه عن مؤدبه الذي هو أستاذه.

ومنذ انتشار مؤسسات التربية والتعليم وأصبح الانخراط فيها إلزامياً، ونصت عليها الدساتير، وهي تميّز بين المعلم الذي يدرس الصفوف الدنيا والمعلم المختص بتعليم التلاميذ في الفصول العليا، فمهارات الاثنين مطلوبة في التعليم لكنها تتفاوت في التربية نظراً لحاجة كل فئة عمرية لجرعات متباينة من التربية والتأديب، بل إن مؤسسات كثيرة كانت تعتمد على المدرّسات لتعليم الأطفال في المراحل الدنيا، أي الابتدائية والتكميلية لما يتحلّين به من صبر في تربية الأطفال وتعليمهم.

وهناك دول متقدمة جداً في مجال التربية والتعليم مثل سنغافورة واليابان، هذه الدول تركّز في المرحلة الدنيا على تهذيب التلميذ أكثر من تعليمه وتزويده بالمعارف، فتعلمه الانضباط والتواضع والتعاون والنظافة والسلوك الحضاري واحترام الملكية العامة والقوانين واحترام الزملاء، كما تزرع فيه قيم العمل والعلم والتطوع وعمل الخير ومساعدة الآخرين، وغير ذلك من الموضوعات التي تمكن التلميذ من الحياة في مجتمع متمدّن متآزر وقانوني، وبعد هذه المرحلة تتم زيادة الجرعة التعليمية.

والعملية التعليمية مكونة من عنصرين، المرسل والمستقبل، المرسل هو الأستاذ أو المعلمة، والمستقبل هو التلميذ في مختلف مراحله العمرية. وحتى تنجح عملية الاستقبال من المرسل يجب أن يتوفر عنصر التواصل المادي أو ما يطلق عليه لغة الجسد، وتشمل حركات الأيدي والعيون وملامح الوجه والتعابير الحزينة والفرحة والغاضبة والمتسامحة وغيرها، كما تشمل الصوت ومصدره، وإذا غاب أحد العنصرين ضعفت العملية التعليمية، ولم تعد توفر مخرجاتها المطلوبة، وبعبارات أوضح لا بد من تحقيق التواصل المعرفي والصوتي والعاطفي والاجتماعي بين طرفي العملية التعليمية، وهو ما نلخصه بحضور التلميذ في الفصل الدراسي جنباً إلى جنب مع المدرس، فإذا غاب المدرس تحدث جلبة وفوضى ويتراجع التحصيل العلمي. ونؤكد هنا أن هذا الوصف يحتاجه التلميذ الصغير بنسبة أكثر من الطالب الكبير، نظراً لحاجة التلميذ للمراقبة والتوجيه وتعديل السلوك وتقديم النصيحة وغيرها.

وبشكل مباشر، فإن التعليم عن بعد (online learning) لا يحقق الأهداف المرجوة الكاملة من العملية التعليمية، خاصة بالنسبة للمراحل الدنيا، فإذا أضفنا مستويات الأمهات اللاتي وجدن أنفسهن معلمات بشكل فجائي، وعدم قدرتهن على إدارة فصل دراسي يوجد فيه ثلاثة أو أربعة أبناء، فإن الحصيلة التعليمية تكون موضع شك، لأن بيئة البيت ليست ملائمة، فالبيت للراحة واللعب والنوم والأكل والشرب وغيرها، وليس للتحول إلى فصل دراسي، ناهيك عن الأعباء التي تُفرض على الأمهات إلى جانب مسؤولياتهن في إدارة شؤون المنزل.

التعليم الهجين، الذي تتناوب فيه المدرسة مع البيت لا يصلح لكل الأعمار، ويحصل فيه التلميذ على نصف عام دراسي، فالتلاميذ لا يركزون في البيت عن عمد ويقولون أنهم يتلقون الدرس ذاته في المدرسة، ثم أنه لا يكافئ الأمهات أو أولياء الأمور الذين قاموا بدور المدرس لنصف عام دراسي، حتى لو كان التلاميذ يجلسون أمام الكمبيوترات المحمولة أو الآي باد.

إننا نقترح أن يتم تطبيق التعليم الهجين على المراحل العليا للتعليم العام فقط، أي المرحلة الثانوية، خاصة أن الإجراءات الاحترازية يتم تطبيقها بشكل ممتاز بشأن الكورونا، وقد تحققت حصانة كبيرة لفئات لا بأس بها من المجتمع بعد إصابتهم وشفائهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"