«كورونا» يتدخل في السباق الرئاسي

04:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

أربعة أسابيع فقط، تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويبدو أن هذه الأسابيع القليلة سوف تكون حبلى بما هو مثير. فقد جاء الإعلان عن إصابة الرئيس دونالد ترامب ب«كورونا» مفاجئاً، وصادماً بعض الشيء، رغم أن هذا التطور بحد ذاته لم يكن مستبعداً، إذ سبق أن شق الفيروس طريقه وسط أروقة البيت الأبيض، وأصاب موظفين هناك، بعضهم عمل على مقربة من الرئيس.

كما سبق لترامب أن أجرى فحوصاً عدة ظهرت فيها النتائج سلبية. ومن المفارقة أن الفيروس تسلل إلى ترامب هذه المرة وهو في ذروة حيويته، وبُعيد قيامه بأنشطة عدة قبل مناظرته مع المرشح جو بايدن، وبعدها، ووسط تجمعات متراوحة العدد، وبغير أن يتقيد المجتمعون دائماً بضوابط الوقاية من الوباء. وسوف يمكن لترامب مواصلة حملته الانتخابية، وعن بعد فقط، وعبر الفيديو خلال اسبوعين مقبلين، والأمر منوط بتطور بوضعه الصحي (وبوضع قرينته ميلانيا المصابة بالوباء وانعكاس ذلك على الرئيس الزوج والمرشح).

إذاً، فإن الرئيس سوف يخوض ما تبقى من حملته من على سرير الاستشفاء في مستشفى عسكري. بما يُلقي ظلالاً درامية على هذا الحدث. خاصة أن ترامب ظل يناور الوباء منذ أول ظهوره، مبدياً مزيجاً من الثقة والثبات واللامبالاة حياله، لدرجة أخذ معها على منافسه بايدن أن الأخير يُكثر من استخدام الكمامة التي يُرى بها في كل مكان. وبالنظر إلى أعداد الإصابات والضحايا في الولايات المتحدة، التي تتزايد بصورة يومية فإن، بلوغ الوباء أي مكان لم يعد مفاجئاً. فمع الإصابات بالملايين فإن فرص نقل العدوى هي بالملايين أيضاً. وقد ظل ترامب على إيمانه أن هذا الوباء سوف ينتهي كما انتهى غيره من الأوبئة، والأمراض، مشدداً على دفع الاقتصاد إلى الأمام، والعيش في حياة شبه طبيعية، إلا أنه كان للأقدار رأي آخر، إذ تمكن الفيروس من الوصول إلى الرئيس خلال ليلة الخميس الجمعة الماضية.

وإذ يتمنى المرء لترامب، وزوجته، كما لكل المصابين في كل مكان الشفاء، غير أن مجرى الانتخابات الأمريكية سوف يحمل قدراً أكبر من الإثارة مع هذا الحدث، فهي من المرات النادرة، إن لم تكن غير المسبوقة، التي يخوض فيها مرشح الانتخابات الرئاسية من على سرير الاستشفاء، وهو ما قد يضيف إلى رصيده، وقد يسلب منه بعض الرصيد، وذلك حسب تموجات أفكار من لم يحسموا أمرهم في الاختيار.

ويستذكر المرء هنا انتخابات رئاسية جرت في سبتمبر/ أيلول في عام الماضي في تونس، كان فيها احد المترشحين (نبيل القروي)، قيد الاحتجاز، وهذا الوضع الاستثنائي هو وجه الشبه الوحيد مع وضع ترامب الحالي، المحاط بعناية الأطباء والمتمتع بأعلى اعتبار، وقد عاش هذه التجربة من قبله رئيس الوزراء البريطانين بوريس جونسون، الذي أصيب بالوباء في إبريل/ نيسان الماضي، وهو المسؤول الذي كان الرئيس الأمريكي يصفه بأنه ترامب بريطانيا. وكما أصيب جونسون في وقت مبكر بالوباء، فقد قُيّض له الشفاء منه في وقت مبكر، وخلال أقل من أسبوعين على مكوثه في المستشفى.

ويستذكر المرء هنا توقعات ترامب بأن اللقاح الأمريكي في طريقه إلى الناس خلال هذا الخريف، وإذ يعيش الرجل هذه الأيام التجربة الصعبة بنفسه، فسوف يكون بإمكانه معاينة أحوال اللقاحات في بلاده، وأين وصل العمل عليها، وكذلك أحوال اللقاحات في الخارج، بعد ظهور اللقاح الروسي، وما أحاط به من أصداء، ثم ما تردد بقوة عن مطعوم صيني أوقف انتشار الوباء في بلاد التنين.

وهكذا، فإن هذا الحدث سوف يعيد التذكير بالأهمية المصيرية الحاسمة للقاح والعلاج في البلد الأكثر تعرضاً للوباء. ولا بد أن الرئيس ترامب، وهو على سرير الاستشفاء سوف ينال فرصة واسعة للتأمل في الانتخابات بنظرة جديدة، أو على الأقل بإحساس مختلف، وكذلك لسباق الناس المحموم لتحقيق النجاحات خلال حياة تبقى قصيرة مهما امتدت سنواتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"