ذو المهارات والشغف

01:26 صباحا
قراءة دقيقتين

مريم البلوشي

قيل لي: كثرة المهارات والتخصصات قد تضيع وقتك وتركيزك.
فقلت: هي حياة متوازنة متى ما عرفنا كيف نبرمجها ونصوغها بسلاسة وحسن تدبير..!
يخطئ البعض في وجهة نظري حين يهمل جانباً إبداعياً فيه بحجة الوقت، أو التركيز، أو أن الأهم التخصص المهني دون الأمور الأخرى وهي الحجة المترسخة في الأذهان والتي تربينا عليها، أهمل ما لا يدر عليك مالا وركز في ما يطلبه السوق..!
الحقائق التي تبنى عليها مثل هذه الأفكار والقرارات هي حقائق ذاتية تنبع من تربية ما، أو اعتقادات بالية، أو حكم مسبق على صاحب الشغف ومن يملك المقدرة على أن يبدع في أكثر من مجال بأنه سيكون فاشلاً، ودون حظ سام في الارتقاء بالمناصب والمكانة المرموقة..! كل تلك الأوهام جعلت من الكثيرين مقيدين في صناديق محدودة، وفي إطارات مجتمعية نابعة من الفهم الجمعي بأهمية أصحاب التخصصات العلمية وقلة فائدة أصحاب التخصصات الإبداعية، فصار الفصل وصارت الحالة المرهقة المستنزفة ولأقل حالة من لا طاقة..!
نقصد هنا أن تكون واعياً لما أعطاك الله من تفرد، من قدرات ومن مهارات، فلم يعطك إياها عبثاً أو أنك لا تستحقها، الحالة المتزنة هي التي تمكنك من إدراك الاختلاف ووضع الأسس السليمة لكل هذه المحركات المندفعة في داخلك، فهي أشبه بحالة من الميزان الذي يحتمل كل الأثقال، ويعلو أحياناً ويرتخي أحياناً أخرى.
اجعل من حياتك ترجمة حقيقية لواقعك الداخلي ولمحركاتك واجعل لك منها رقماً أو وزناً، ضع الأولويات ووزع الأشياء بالأوقات وأعط في كل مرحلة لمهارة ما أو تخصص ما جل اهتمامك وتركيزك، لا تبق في الحياة محصوراً في عملك، أو في حياتك الاجتماعية محصورة على أحاديث العمل فقط، لا تكن آلة فأنت إنسان متجدد، والمتتبع لحياة العلماء والعباقرة والمبدعين بكل الثقافات والأزمان يجد أنهم لا يتخصصون في مجال واحد، ولا يعيشون حياتهم كلها في إطار محدود، وهذا سببب إعادة الشحن والتجدد الذي هم فيه.
الروح تهوى الإبداع، والقلب يعشق الجمال، والعقل يريد العلم، فلكل منهم ميزانه ووقته ولكل منهم حالته. لا تتردد، وأطلق مشاعرك الداخلية التي تحرك رغباتك بأن تصبح مثلاً: طبيباً أو شاعراً، أو مهندساً أو موسيقياً، أو عالماً أو رساماً.
تعلم القواعد وتمرس في كل جانب وادرسه، لا يكفي الشغف، ولا يكفي الحب، ولا يكفي أن تردد أنك تملك الموهبة أو المهارة، في كل واحدة منها هناك مشقات وتعب وصبر، لكنه التعب الذي يتوج حياتك كما تريد، ويعيد برمجة طاقتك في كل مرة ويجعلك تختبر الحياة بمنظور مختلف في كل مرة، ستكون أنت بصورة مختلفة لكنها تراكيبك، وقصتك وحياتك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"