رفّ الكتب

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين


د. حسن مدن

بودي لو أعرف شهادات من المهتمين بالقراءة واقتناء الكتب التي تصادف في نفوسهم هوى، حول الطريقة التي يضعون، أو فلنقل يرتبون بها هذه الكتب على رفوف مكتباتهم الخاصة في منازلهم.
هل يصنفونها، خاصة إذا زاد عدد ما في حوزتهم منها، حسب الموضوعات مثلاً، فتصبح الروايات متجاورة، وكذلك دوواين الشعر، أو كتب التاريخ وعلم الاجتماع، أو كتب الحقل الذي هو تخصص صاحب المكتبة، كأن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً... الخ، فيجعل من الكتب ذات العلاقة بتخصصه على رف واحد أو في ركنٍ بعينه،
أو أنهم يصنفونها حسب أسماء كتّابها، كأن يكون هناك ركن لروايات نجيب محفوظ، وآخر لدواوين محمود درويش أو نزار قباني، وثالث لمسرحيات سعد الله ونوس مثلاً، ورابع لدراسات سمير أمين أو إدوارد سعيد.. الخ؟
هل أنتم من هذا الصنف، أم تراكم تضعون الكتب كيفما اتفق، غير مهتمين بأي تصنيف من التصنيفات التي أتينا على بعضها كأمثلة، لذا تتجاور النقائض على رف الكتب المفترض، حتى يكاد ينشأ بينها ما دعاه الكاتب الإيطالي إيتالوا كالفينو بـ«الصدمات الكهربائية»؟
من «حسنات» المكوث الطويل في بيوتنا في أجواء «كورونا» أن انصرف كثيرون إلى ترتيب تفاصيل كثيرة في بيوتهم، بما فيها مكتباتهم، وهذا ما فعلته أنا شخصياً، وأحد دوافعي هو بالضبط تصنيف الكتب حسب موضوعاتها أو مؤلفيها، لتكون متجاورة، ومن أجل التغلب على صعوبات الوصول إلى كتاب بعينه وقت الحاجة، وهو أمر يتكرر كثيراً، حين يتعين التفتيش في مختلف الرفوف لعلّ وعسى نصل إلى الكتاب المطلوب، دون ضمان الوصول إليه لحظتها.
وبت أشعر بالرضى لأني تخلصت، ولو إلى حدود، من التجاور العشوائي للكتب، الذي لا يراعي تقارب أو وحدة موضوعها أو جنسها الأدبي أو أسماء مؤلفيها، لكني لاحظت أن «الصدمات الكهربائية» التي عناها كالفينو لا تحدث فقط بين الكتب ذات التخصصات والأجناس المختلفة حدّ التناقض، وإنما قد تحدث بين كتب تنتمي إلى الحقل نفسه، حين تختلف آراء وأفكار وأهواء مؤلفيها، حدّ التناقض، فلا تكاد تعثر ولو على القليل من الكيمياء التي تجمع بينها، وخلاف «ذوي القربى»، حتى لو كان الأمر في الكتب والتخصص، «أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند»، كما يقول شاعرنا طرفة بن العبد.
وبالمناسبة فإن «كيمياء» الكتب لا تختلف كثيراً عن كيمياء البشر، فالكيمياء التي تجذبنا إلى أشخاص بعينهم، وتنفرنا كيمياء نقيضة من سواهم، تفعل فعلاً مشابهاً مع الكتب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"