معركة على جبهتين

22:57 مساء
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

استيقظت فرنسا في لحظة لتكتشف أن عليها أن تقاتل على جبهتين، إحداهما مع فيروس كورونا الذي يأبى إلا أن يعود من جديد، والثانية مع وحش التطرف الذي بدا كأنه كان في حالة من الكمون، ثم صحا على غير توقع، ولا انتظار. 

ورغم الخوف المصاحب لعودة كورونا، ورغم حالة الفزع التي يثيرها بعودته لدى الحكومات في أوروبا بالذات، إلا أن أمره يبدو هيناً إذا ما دخل في مقارنة مع أمر التطرف، الذي ينتهي إلى ممارسة العنف في حق أبرياء لا ذنب لهم في شيء. 

  ولم يكن الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، مبالغاً في شيء، عندما صارح نفسه، وصارح شعبه في أعقاب حادث مقتل ثلاثة فرنسيين في مدينة نيس، بأن المعركة مع الأفكار المتطرفة معركة طويلة بطبيعتها، لأنها ذات مستويات ثلاثة: أمنية، وثقافية، وتربوية. 

   إن الفيروس الذي أصاب العالم بالإكتئاب، والحيرة، سوف يأتي عليه يوم ويرحل، وسوف نجد أنفسنا نجلس ذات يوم في مرحلة ما بعد كورونا فنتحدث عنه باعتباره شيئاً من الماضي. سوف يحدث هذا لأنه لم يثبت بعد أن جائحة من نوعه قد جاءت ثم أقامت من دون مغادرة. فكل الأوبئة جاءت ثم غادرت، إلا وباء التطرف الذي يجاهد ليبقى، والذي لا يذهب إلا إذا طاردناه في العقل قبل أن نلاحقه على الأرض. 

  ولا تزال المشكلة التي تواجه الفرنسيين في الحوادث الثلاثة التي هزت باريس، ونيس، وليون، أن أبطالها ليسوا من أصحاب السوابق في الجهر بالتطرف، أو في ممارسة أي عنف.. فالشاب الشيشاني الذي ذبح مدرس التاريخ في ضاحية كونفلان، إحدى ضواحي عاصمة النور، عصر الجمعة ١٦ أكتوبر/ تشرين الأول، لم يكن ممن ظهرت عليهم بوادر التطرف في أي وقت، والشاب التونسي الذي قتل بعدها الفرنسيين الثلاثة داخل كنيسة نوتردام في نيس، لم يظهر عليه في بلاده ما يشير إلى أنه يعتنق أفكاراً متطرفة، ولا بدا في سلوكه، كما يقول شقيقه بعد الحادث، ما يفيد بأنه يمكن أن يمارس العنف، ويتحول إلى قاتل في لحظات.  

  والفاعل المجهول الذي طعن قساً أمام كنيسة في ليون شرق فرنسا، لم تتمكن السلطات من ضبطه بعد لنرى عندها ما إذا كان من فصيلة الشابين الشيشاني والتونسي نفسها، أم أنه يختلف عنهما، ويملك سجلاً سابقاً في كراهية الآخرين لمجرد أنهم آخرون؟ 

  وإذا كانت الرسوم المسيئة التي عرضها مدرس التاريخ على تلاميذه، هي التي فتحت هذا الباب على آخره، فالأمل أن تنتبه الحكومة في فرنسا ألي أن الإنسان يستطيع جداً أن يمارس حرية التعبير من دون أن يكون مضطراً إلى جرح مشاعر الآخرين. 

  فإذا تعلق الأمر برموز دينية ومقدسات لدى ما يقرب من مليارين من المسلمين، فإن الذي يمارس الحق في حرية التعبير مدعو أكثر إلى أن يراجع نفسه، وأن يتوخى الحذر، وأن يحترس. 

  إن فرنسا تتحدث هذه الأيام عن استعدادات لديها لطرد المتطرفين من فوق أرضها إلى بلادهم، ولكن المشكلة في خطوة كهذه أن المتطرف من نوع الإرهابيين في المدن الثلاث، لا يكشف عن حقيقته إلا في اللحظة التي يرتكب فيها جريمته، ولا تظهر عليه علامات المرض، إلا في الوقت الضائع بالنسبة لأي جهاز أمن.. الوقت الذي يكون فيه قد اقتنص فريسته، وسقط في مكانه معها، كما حدث مع قاتل المدرس، على سبيل المثال.

   الظاهر أنها حرب على جبهتين لا تخوضها فرنسا وحدها، ولكن يخوضها هذا العالم البائس من أقصاه إلى أقصاه. 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"