عادي

ذاكرة المكان تسكن القصائد

17:37 مساء
قراءة 4 دقائق
اليمين(عبدالله الهدية) الوسط (هنوف محمد) اليسار (كريم معتوق)
اليمين(عبدالله الهدية) الوسط (هنوف محمد) اليسار (كريم معتوق)


يظل الشاعر يتلفت بقلبه وعاطفته على الدوام إلى تلك الأماكن التي شكلت طفولته وصباه، تلك التي جمعته بالرفاق والأصحاب وشهدت بداياته الشعرية، وكذلك الأماكن التي يحمل لها محبة خاصة وذكرى مختلفة، فيتجول ذلك الحنين الدافق داخل نصوصه الشعرية؛ بل هي التي تشكل الشريان الأساسي الذي يغذي خطابه الشعري، حيث إن لها أهمية كبيرة في تشكل وتكون شاعرية أي شاعر.
«الخليج» وضعت سؤال المكان والشوق والحنين إلى ماضي الأماكن، وماذا تبقى من ذاكرة المكان، أمام عدد من الشعراء:
وشدد الشاعر عبدالله الهدية، على أن الذاكرة القديمة تبقى لصيقة بالأدب، لا تبلى ولا تتلاشى، خاصة تلك الأماكن التي عاش فيها الإنسان  مراحل الطفولة بكل تفاصيلها، فهي تبقى مغروسة، وربما عالقة في الذاكرة؛ ذلك لأن المرء عاش خلالها سنوات البراءة الأولى، ومراحل تلقي الأشياء بصورة مفعمة بالحنين والألفة والمشاعر الجياشة، ثم تتحول تلك المشاعر تجاه الأمكنة، إلى حنين إلى الماضي؛ لأن هناك شيئاً مفقوداً، بالنسبة للإنسان في الحاضر. فمرور الزمن وتقلباته وتغيراته، تجعل الشاعر المبدع يحن إلى الماضي، وإلى تلك المساحة الجغرافية التي نشأ فيها، وما عاشه خلالها من علاقات اجتماعية دافئة. ويؤكد الهدية قائلاً: «عندما تكون مسكوناً بكل هذا الإرث الجميل، فهو لا ينفك عن ذاكرتك، فهو غذاء الروح وهو المحفز نحو المستقبل».

سحر المكان

وذكر الهدية أن ما يشده إلى الماضي، ويعمر قلبه بالحنين إليه، هو تلك اللحمة بين رفاق الصبا في أماكن النشأة الأولى مثل: الفريج والحي والمدينة والمنطقة، وكل التفاصيل الجغرافية، حيث إن للمكان قدسيته وسحره الذي يعلق بالإنسان، ولأن المبدع شديد الحساسية في ما يتعلق بفيض المشاعر، فهو يختزن تلك التفاصيل البديعة، ويحولها إلى نص شعري يستقي جمالياته ومفرداته ولغته من سيطرة المكان عليه.
وأكد الهدية سحر المكان وقوة سطوته، فلئن كانت ضروريات الحياة والحداثة تقتضي التغيير على مستوى العمارة وما شابهه، فإن الارتباط بالماضي والمكان يظل على ما هو عليه مفعماً بالحنين.
ويرى الهدية أنه على الرغم من جمال الأماكن القديمة، والزمن القديم، فإنه يجب على الشاعر ألا ينغمس تماماً في الماضي، بصورة تجعله يهرب من الحاضر وجماليات الحياة، فمن الضروري أن يتفاعل معها ويبرز جمالياتها. ويلفت الهدية إلى أن مقولة مثل «الزمن الجميل»، في إشارة إلى الماضي، قد تصيب الأجيال الجديدة بالإحباط، فالزمن الحاضر أيضاً له جمالياته، وسيصبح في المستقبل ماضياً يعلق بذاكرة شباب اليوم، يتغنون به ويشعرون بالحنين تجاهه، ويكتبون عنه القصائد.
 
عين مختلفة 

بدورها أكدت الشاعرة الهنوف محمد، خصوصية المكان في نصوصها الشعرية، مشيرة إلى أن الأماكن تظل حاضرة بشدة على الدوام في نصها الشعري، تستحضرها من منطقة اللاوعي إلى الوعي، فهي تبصر بعين المبدع، المكان القديم، حتى إن تغير وطالته يد التحديث، فالذاكرة تستمر محتشدة بالصورة القديمة، فهي مبرمجة في الدماغ بحيث لا يُلغي التحديث صورة المكان القديمة.
وذكرت الهنوف محمد، أنها تذهب على الدوام إلى مراتع شهدت طفولتها وصباها الباكر، حيث يشدها الشوق والحنين إلى تلك الأماكن الوادعة التي تعيش في ذاكرتها، فتلك المشاهد القديمة تبقى دائماً في قلب الإنسان، تسكنه ويسكنها، ولا تفارقه أبداً مهما تبدلت صور الحياة ومشاهدها. وأوضحت الهنوف محمد، أن الأماكن الحميمة لا تنحصر فقط في تلك التي ارتبطت بالطفولة، فهناك ما يرتبط بذكرى معينة لها سحرها الخاص الذي يجعل الإنسان يتعلق بها.
وأوضحت أن للشعراء ذاكرة تصويرية وإحساساً مختلفاً، فهم يحتفون بكل الأماكن التي تعني لهم شيئاً وتحمل تفاصيل عالقة في مخيلتهم لا تريد منها فكاكاً، ويحولونها إلى نصوص شعرية تعكس مدى ارتباطهم بالمكان، فالشاعر ينظر إليها بعين مختلفة ويسقط فيها كل حنينه، ليتسرب حب المكان وتتسرب جاذبيته من النص الشعري إلى المتلقي، الذي يعايش التفاصيل التي أوردها الشاعر في قصيدته.

خيال متقد

أما الشاعر كريم معتوق، فاعتبر أن هناك سيلاً من الحنين إلى الماضي عند البعض، فمنهم مثلاً من يستمتع بسرد وتبيان الفروق بين الأمس واليوم. أما الشاعر والمبدع، فإنه يعيد بث الحياة في الماضي ليجعل منه خصماً للحاضر، ومن المؤكد أن الشاعر الذي يهيم بالماضي ويردد سيرته في أشعاره، لا يريد أن يعيش مرة أخرى ذلك الماضي، ولا يريد أن ينتقل إلى التجربة الحياتية التي خاضها، خاصة إذا كان الشاعر أو المبدع قد عاش في بيئة فقيرة، فهو يحرص على تجميل الفقر؛ لأنه كان سمة عامة عاشها كثيرون، فما يفعله المبدع هو أنه يخلد لحظة مضت، ومكاناً تشده إليه العاطفة والشوق والحنين.
ويرى معتوق أن الأماكن القديمة هي صنو الذاكرة، وهذا ما يجعل خيال الشاعر متقداً، يسافر إليها كل حين، بينما هو لا يعايش الحاضر بقوة الخيال؛ لأنه يعيشه فعلياً وواقعياً؛ لذلك فإن ارتباط المبدع بالماضي هو ارتباط حميمي، فهو يملي عليه بعض المفردات، ويُملي عليه حالات متباينة من المشاعر مثل: الحب والكره والشوق والغضب.
ويؤكد معتوق أن الأماكن القديمة بكل تفاصيلها، تسكن ذاكرته، فيحولها إلى نصوص شعرية، وله كثير من القصائد تتناول المكان والماضي؛ بل إنه يشتغل الآن على قصيدة جديدة تحمل عنوان «سيرة ذاتية بسيطة»، يعود فيها إلى الوراء، إلى الماضي والتفاصيل التي عاشها في أمكنة شهدت نشأته وطفولته وصباه، وما زال قلبه يلتفت إليها في كل حين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"