حين يعجز المبدعون عن حماية أفكارهم

22:32 مساء
قراءة 4 دقائق
1

وجيه أمين عبدالعزيز *

يتحدث كثيرون عن «الملكية الفكرية»، وتنظم مؤتمرات عدة لبحث الإشكاليات المرتبطة بها، للحفاظ عليها والعمل على حمايتها، سواء باستحداث تشريعات أو تشديد الرقابة وتكثيف الضبطيات لكن بنظرة واقعية وبعيداً عن الكلام النمطي المكرر يبدو الأمر صعباً ومعقداً في ظل تطور تكنولوجيا الاتصالات والتدفق الهائل للبيانات، لدرجة أن البعض ذهب إلى ضرورة التفكير خارج الصندوق والتعامل على أساس أن حماية الملكية الفكرية صار أمراً شبه مستحيل، مطالبين بإتاحة الأفكار والمنتجات والعلامات التجارية بأسعار منافسة أو توفيرها عبر منصات تناسب جميع الشرائح، حتى يلجأ المستهلك إلى المنتج الأصلي بدلاً من المقلد.

لنا أن نتخيل حجم المشكلة حين يطرح عمل سينمائي جديد تتم قرصنته وبثه بجودة عالية على شبكة الإنترنت قبل عرضه في دور السينما العالمية ليتكبد منتجوه خسائر كبيرة، لدرجة أن عدداً من صناع السينما لجأوا إلى كتابة رسالة عاطفية مؤثرة في خاتمة الأفلام يستجدون من خلالها الجماهير بعدم مشاهدة نسخ مقلدة من أفلامهم.

قس على ذلك الكتب والأعمال الأدبية الجديدة، فبمجرد طرح أحدها تجد نسخة إلكترونية مجانية على شبكة الإنترنت، ومهما جرت من محاولات لوقف هذا النزيف لم يصل أصحاب الملكية الفكرية إلى حلول حاسمة لدرجة أن جهات بعينها صارت تصنع أجهزة ريسيفر تعرض أحدث الأفلام دون ترخيص، ومكتبات إلكترونية تعرض آلاف الكتب مجاناً.

وحدث ولا حرج عن العلامات التجارية الكبرى في الملابس والحقائب والساعات والهواتف وغيرها، ولا يخفى على أحد أن هناك أسواقاً دولية تقوم على هذا الغش الصارخ، ووصلت درجة التقليد لكثير من العلامات إلى درجة صعوبة تمييزها، فالنسخ المقلدة تناسب جميع الفئات والشرائح حسب مستوياتهم المادية، وهذا يعيدنا إلى السؤال الأهم، هل صار من الضروري إعادة النظر في أسعار كثير من العلامات الأصلية حتى يغلق الباب أمام اتجاه المستهلك إلى نظيرتها المقلدة؟! إن الملكية الفكرية تمنح صاحب الحق أن ينسب له إبداعه بحسبانه امتداداً لشخصيته، فهي السلطة التي تمنح صاحبها حق الاستئثار لنفسه بنتاجه الفكري، كما تمنحه الحق في استثمار مصنفه من الناحية المادية استعمالاً واستغلالاً وتصرفاً أو الترخيص للغير بالانتفاع به، كما تخول له الحق في منع أي شخص من استعمال منتجه دون إذن..

وتتجلى أهميتها في تشجيع المبدعين ومنحهم الشعور بالاطمئنان إلى إمكانية نشر مصنفاتهم دون خشية استنساخها من غير ترخيص بذلك، أو قرصنتها، وتشجيعاً للإبداع الإنساني والفكر البشري على تقديم الأفضل، وزيادة فرص النفاذ إلى الثقافة والمعرفة سعت مختلف دول العالم إلى تأصيل حق الملكية الفكرية على المستويين الدولي والإقليمي، فعلى المستوى الدولي تم إبرام العديد من الاتفاقيات الخاصة بحماية الملكية الفكرية، منها إتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية عام 1886 وهي إحدى أهم ركائز الحماية الدولية لحقوق الملكية الأدبية والفنية كأول اتفاقية دولية تضع قواعد الحماية لتلك الحقوق.

بالإضافة إلى اتفاقية تريبس، الأكثر تأثيراً من بين اتفاقيات التجارة الدولية على اقتصاديات الدول فهي تعد الإطار الشاغل لموضوعات الملكية الفكرية ليس لكونها أضافت قواعد جديدة خاصة بحماية برامج الحاسوب فقط، بل لأنها ولأول مرة أدارت نظام الملكية الفكرية عالمياً من خلال منظمة التجارة العالمية. كما أضفت اتفاقية المنظمة العالمية للملكية الفكرية «ويبو» إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي تم إبرامها في استوكهولم عام 1967 ودخلت حيز التنفيذ عام 1970 الحماية القانونية على برامج الحاسوب باعتبارها مصنفات أدبية أياً كانت شكلها أو طريقة التعبير عنها.

وتبنت معظم تشريعات الدول العربية في قوانينها الخاصة بالملكية الفكرية المبادئ والمعايير الدولية الكفيلة بحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة في ظل التقدم التقني وفي المحيط الرقمي، وتناول المشرع الإماراتي «النسخ» بالقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2002 في شأن حق المؤلف والحقوق المجاورة وتعديلاته، بأنه عمل نسخة أو أكثر من مصنف أو تسجيل صوتي، أو برنامج إذاعي أو أي أداء في أي شكل أو صورة بما في ذلك التحميل أو التخزين الإلكتروني الدائم أو الوقتي وأياً ما تكون الطريق أو الأداة المستخدمة في النسخ.

ونص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم كل من قام بتحميل أو تخزين الحاسب بأي نسخة من برامجه أو تطبيقاته أو قواعد البيانات دون ترخيص من المؤلف أو صاحب الحق أو خلفهما، كما يعاقب كل شخص استخدمها بالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم ولا تزيد على ثلاثين ألف درهم لكل برنامج أو تطبيق، وتقضي المحكمة بمصادرة النسخ المقلدة محل الجريمة والمتحصلة منها والأدوات المستخدمة فيها وإغلاق المنشأة التي ارتكبت فيها الجريمة مدة لا تتجاوز ستة أشهر ونشر ملخص الحكم الصادر بالإدانة في جريدة يومية أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.

خلاصة الإشارة إلى الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية والإقليمية وغيرها، إلى أن الدول تبذل أقصى ما بوسعها لكن مع ذلك تقدر خسائر العالم من انتهاكات الملكية الفكرية سواء بتقليد العلامات التجارية أو نسخ المصنفات الفنية والأدبية وغيرها بمئات المليارات، لذا يجب التفكير في حلول مبتكرة تدفع المستهلك أو المشاهد أو القارئ إلى أن يكون شريكاً في حماية الملكية الفكرية بدلاً من أن يكون عاملاً لانتهاكها..

* مستشار قانوني أول - المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مستشار قانوني أول - المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"