الأثرياء الجدد في الاقتصاد الموازي

22:56 مساء
قراءة 3 دقائق

وجيه أمين عبدالعزيز*

صارت شبكات التواصل الاجتماعي نافذة تجارية أقرب إلى اقتصاد مواز برأسمال يقدر عالمياً بمئات المليارات، حيث أفرزت نماذج غير مألوفة من أثرياء جدد يختلفون كلياً وقيمياً وجوهرياً عن النوع التقليدي من رجال الأعمال الذين يثابرون ويجتهدون لتحقيق نجاح في تجارة أو صناعة وبناء ثرواتهم بعد سنوات من الجهد والكفاح أو العلماء والأطباء والمهندسين وذوي التخصصات العلمية النادرة أو الموهوبين في مجال ما.

يجب أن نعترف بأن السوشيال ميديا قلبت الموازين، وغيرت الطموحات في ظل ما توفره من فرص لا تبدو منطقية ودون مجهود يذكر مقارنة بالنماذج المتفانية التي أشرنا إليها فالدخل الشهري الذي تُدره تلك المواقع على الآلاف من الأشخاص الآن يفوق كل التصورات وبات من الممكن أن تكون أغنية سجلها مطرب مغمور عديم الموهبة في ركن بمنزله سبباً في تحويل مصيره المادي والاجتماعي.

إنه جنون حقيقي خاصة في ظل عدم وجود ضوابط على ما تُدره تلك المواقع من أموال أو خضوعها لأي نوع من الضرائب مقابل محتوى بعضه مفيد وكثيره غث بل ضار ومُجرَّم قانوناً، وتحول الأمر إلى ما يشبه الهوس بهذه المنصات ولنا أن نتخيل الانحراف الرهيب في مسار الطموحات ففي الماضي كان حلم كل أب أن يصبح ابنه طبيباً أو مهندساً أو عالماً، أما الآن تبدلت الأحلام والأفكار نسبياً وبات بعض الآباء يحلمون بأن يكون أبناؤهم من مشاهير السوشيال ميديا.

وبنظرة سريعة على حالات بارزة طالعتنا بها الصحف خلال العام الماضي يمكن أن نتخيل طبيعة هذا الاقتصاد الموازي وحجم الأموال التي تدار من خلاله.

فعلى سبيل المثال، أطاحت إدارة المباحث الإلكترونية بشرطة دبي ب97 متهماً ينتمون لعصابات دولية استغلت منصات التواصل الاجتماعي واجهة لها وقدر إجمالي الخسائر التي احتوتها قبل أن يتكبدها الضحايا نحو 12 مليار درهم، اللافت في هذه الحالة أن بعض المتهمين في هذه الجرائم من مشاهير السوشيال ميديا الذين خدعوا الضحايا بمظاهر زائفة استخدموها في الاحتيال على متابعيهم.

ومن الحالات التي يجب التوقف أمامها كانت لأحد الأشخاص الذي ظهر في فيديو وهو يُلقى رزماً من نقود بعملة أوروبية على العمال البسطاء معرضاً سلامتهم للخطر فيما كان يصوره شخص آخر وبعد إلقاء القبض عليه تبين أن النقود التي كان يُلقيها مزيفة وأنه استخدمها لجذب مزيد من المتابعين له.

ومن الحالات البارزة في واقعة لا تمت للإنسانية بصلة قررت النيابة العامة المصرية منذ أيام قليلة حبس أحد الأشخاص ادعى على مواقع التواصل الاجتماعي إصابته بمرض السرطان ويأسه من العلاج واستسلامه للموت مما أثر سلباً في بعض المرضى الحقيقيين الذين انتابتهم حالة من اليأس والإحباط وأوقف بعضهم العلاج وبإلقاء القبض عليه أقر بارتكابه الجريمة وأن ادعاء إصابته بالمرض كان بغرض تحقيق الشهرة وزيادة عدد متابعيه على تلك المواقع وتلقي التبرعات من الجمعيات والمؤسسات الراعية، وهذا في حد ذاته يمثل تحولاً لافتاً في نوع الجرائم التي ترتكب عبر هذه المنصات.

وهناك نماذج أخرى لبعض مستخدمي تلك المواقع ظهرت عليهم علامات الثراء السريع مما يُثير علامات استفهام كبيرة بشأن ما يتلقونه من أموال وحدث ولا حرج عن استغلال الأطفال في هذه المنصات وإفساد طفولتهم بشهرة زائفة تجعلهم أسرى لتعليق أو علامة إعجاب وتحولهم إلى وسائل للتربح وجني الأموال.

هناك حاجة عالمية ملحة لوضع ضوابط قانونية وسن تشريعات ضريبية وتحديث آليات للرقابة المالية على هذه المنصات فلدينا ما يكفي من المؤشرات إلى ما يشوبها من تجاوزات.

* مستشار قانوني أول المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مستشار قانوني أول - المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"