وجيه أمين عبدالعزيز *
أيام قليلة وينتهى عام ربما يكون أصعب ما مرت به البشرية في العصر الحديث، إذ شهد جائحة أصابت العالم بشلل تام لم تميز بين دولة عظمى أو نامية، بلا شك كان ومازال فيروس كورونا المستجد أكثر كائن تأثيراً خلال عام الجائحة فهذا الفيروس غير المنظور ألقى بظلاله على كافة مناحى الحياة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً بحضوره الطاغى الذى انتهك بشدة معنى اليقين وضرب بقوة فكرة الإرادة الفردية، وأظهر لنا أن النظام العالمى لم يكن مستعداً لتلك الأزمة التي ضربت العالم بأكمله، كما أثبت أن الإنسان بما حققه من إنجازات علمية في مختلف المجالات أضعف كثيراً من مواجهة مجهول بالغ الضآلة فرض تباعداً اجتماعياً وحياة فاترة مشوبة بكثير من القلق والخوف.
لقد كان تأثير إنتشار كورونا على الاقتصاد العالمي مدمراً وسيظل تأثيره حاضراً لسنوات حيث يمكننا القول إن كوفيد-19 أصعب أزمة واجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية حيث توقفت المصانع والشركات عن العمل تماماً وتضررت قطاعات الطيران والسياحة والترفية بشدة وتم تسريح آلاف العاملين في مختلف المجالات، ونجحت الشركات والمؤسسات التي استطاعت تقديم خدماتها عن بعد، وهو ما سيكون له تأثير في وضع خطط التوظيف والتشغيل مستقبلاً.
لا أحد بإمكانه أن يتنبأ بحجم الخسائر الاقتصادية التي سيتركها خلفه هذا الفيروس، ليصبح معيار النجاح هو الخروج بأقل الخسائر.
وقد أثبتت التجربة أن الدول التي استطاعت الصمود والعبور من تلك الجائحة هي الدول ذات البنية التحتية الرقمية والتشريعية والاقتصادية القوية والقادرة بذاتها على قيادة وريادة شعوبها إلى بر الأمان، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي عملت على التحول الرقمى السريع في جميع القطاعات، وأصدرت العديد من القوانين والتعديلات والقرارات السريعة المرتبطة بالجائحة، وما ترتب عليها من تداعيات، ما كان له أثر مباشر في تجاوز الشركات والقطاعات المتأثرة محنتها الاقتصادية في حين أن دولاً أخرى حاولت تعويض خسائرها الاقتصادية بفرض المزيد من الضرائب على مواطنيها ورفع أسعار الخدمات المقدمة لهم.
إن السؤال المطروح الآن: ما شكل العالم الذى ستشرق عليه الشمس مع قرب زوال الخطر في ظل توصل العلم إلى العديد من اللقاحات لهذا الفيروس القاتل الذى أرعب البشرية؟ من المؤكد أن الجواب لا يحتاج إلى مقال بل دراسات سوف تظهر المؤلفات العديدة في هذا الشأن لاحقاً، ولكن المؤكد أن البداية عند الإنسان نفسه الذى بلغ به الغرور والتكبر أن اعتبر نفسه سيد الكون والمسيطر على الطبيعة، فجاء هذا الفيروس غير المرئى ليعيده إلى صوابه ويكسبه شيئاً من التواضع الذى تناساه لعله يعيد حساباته من جديد قبل أن تثور عليه الطبيعة مرة أخرى.
المؤكد أن شمس ما بعد كورونا سوف تعيد ترتيب الأولويات، وأول ما يتوجب أن يوضعا في المراتب الأولى هما العلم والعلماء التي تطلعت إليهما العقول والقلوب طوال عام الجائحة لعلها تجد عندهما الشفاء والدواء، وبلا شك سوف تكون الأولوية في العقود القادمة لصالح البحث العلمي الذى يخدم الإنسانية.
ما يحتاجه العالم الآن ليس مجرد تغيير في هيكل العمل أو الهرم الوظيفى إنما يحتاج لإعادة النظر في كافة مناحى الحياة لتحقيق طموحات عامة الناس في توفيرحياة آمنة لهم، فلا سبيل للنجاة بشكل فردى على مستوى الدول أو الأفراد، ويجب على الجميع التعاون من أجل الحفاظ على أمن الصحة العامة العالمي.
* مستشار قانونى أول في المركز العالمى للمحاماة والإستشارات القانونية