ما بعد «بريكست»

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

تتأرجح العلاقات بين لندن وبروكسل بين شد وجذب منذ تصويت بريطانيا على إنهاء عقدها مع الاتحاد الأوروبي والخروج من التكتل في 23 يونيو 2016، هذا فضلاً عن المنحى المعقد للإطار العام الذي تشوبه الكثير من التفاصيل، وما ينتج عنه من توترات قد تدفع نحو انسداد الأفق في المفاوضات الجارية حالياً بشأن مرحلة ما بعد «بريكست».

 وفي صدد هذه المرحلة؛ تطالب أوروبا بريطانيا بمزيد من التنازلات بشأن المفاوضات التجارية، لكن هذه التنازلات رفضها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون جملةً وتفصيلاً؛ مطالباً الأوروبيين بإحداث «تغيير جوهري في النهج» المتبع في المحادثات، محذراً من مآلات الأمور التي قد ستصل إلى الخروج من التكتل من دون اتفاق في الأول من كانون الثاني/يناير.

 في خضم هذه التجاذبات يتواصل الضغط البريطاني على القارة العجوز، مع تشديد لندن على انتهاء زمن المفاوضات التجارية، بسبب إصرار التكتل على موقفه، طالبة من الاتحاد الأوروبي التحدث من جديد في حال تغير موقفه بشكل جوهري؛ حيث إن الدول الأعضاء ال27 تطلب تنازلات من انجلترا، مؤكدةً عزمها على استمرار المحادثات للتوصل إلى اتفاق، إلا أنَّ المفاوضات لا تزال متعثرةً بسبب مواضيع ثلاثة، وهي: حق وصول الأوروبيين إلى المياه البريطانية الغنية بالأسماك، والضمانات المطلوبة من لندن بشأن المنافسة، وطريقة حلّ الخلافات في الاتفاق المستقبلي.

 هذا الجمود في تفعيل المفاوضات، دفع بريطانيا إلى التهيؤ للخروج والاستعداد إلى ترتيب يشبه ذلك الذي تم التوصل إليه مع أستراليا، ما يمثل الانفصال بدون اتفاق، لتخضع المبادلات لقواعد منظمة التجارة العالمية، إذ إن جونسون رأى أن الشروط الأوروبية هي استمرار في السيطرة على حرية لندن التشريعية وقطاع المملكة للصيد بطريقة غير مقبولة إطلاقاً، معرّجاً على أن بلاده مستعدة للخروج بأي ثمن، ما يعني بدء تطبيق مفاجئ لنظام الحصص والرسوم الجمركية بين التكتل والمملكة المتحدة، ومنع وصول الصيادين الأوروبيين إلى المياه البريطانية.

 لكن أوروبا واصلت سلسلة ضغوطاتها بالرغم من تهديدات بريطانيا، حيث صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون أن الاتحاد سيكثف المحادثات، وسيواصل العمل على قدم وساق للتوصل لاتفاق يخدم مصالح القارة الأوروبية ومساعي دولها كافة.

 وبين هذا الكم من الضغوطات الممارسة من القطبين، تتمسك بروكسل من جهتها بضرورة التوصل إلى تسوية حول اتفاق تبادل حرّ في القريب العاجل، إلى جانب دخول الرئيس الفرنسي على الخط ليطالب بريطانيا بجهود خاصة لإنجاح الاتفاق؛ مشيراً إلى أن المملكة المتحدة هي من أرادت مغادرة الاتحاد الأوروبي بإرادتها، وموسعاً من جهته دائرة الخلاف عندما قال: «نتعثر بشأن كل شيء» مع البريطانيين وليس فقط بشأن الصيد. ولم يخفِ رؤساء الدول والحكومات الأوروبية القلق بشأن المسائل الأساسية التي تهمّ الاتحاد، معتبرين أنه لا يزال غير كاف للتوصل إلى اتفاق، إذ يطالبون لندن بالقيام «بما يلزم لجعل الاتفاق ممكناً»، لتأتي هذه المطالبات والتصريحات مجتمعةً وتُصيب بريطانيا ب«خيّبة أمل»، لتسوّغ لها مبرراً يُضاف إلى أسباب تراها كافية، لمزيد من الانشطار عن الاتحاد الأوروبي مهما كلف الثمن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"