حلم صيني وكابوس هندي

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

غسان العزي

اعتبر رائد الجيوبوليتيك ماكيندر في«اللعبة الكبرى» للسيطرة على آسيا الوسطى أن الهيمنة البرية على الممر الأوروآسيوي يضمن السيطرة على العالم. وبعده بأربعين عاماً قال سبايكمان بأن الهيمنة البحرية على التدفقات التجارية هي التي تضمن مثل هذه السيطرة. وهكذا ترى الهند أن هناك رغبة صينية بالهيمنة على الممر المحيط بها فتحرمها من الاستفادة من التجارة القارية. أكثر من ذلك فإن نمو النفوذ الصيني السياسي في آسيا الوسطى يهدد الأمن القومي الهندي.

الممر الصيني-الباكستاني يدور حول الهند وعبره تستورد الصين المعادن والنفط وغيره. وهي تستثمر 3,5 مليار دولار للاستحواذ على منجم آيناك للنحاس في أفغانستان وإنشاء سكة حديد بين مقاطعة لوغار جنوبي-غربي كابول ومدينة تورخام الباكستانية الحدودية. كذلك تتطلع الصين لبناء واستغلال مناجم الذهب والحديد في أفغانستان التي تعاني ضعف بناها التحتية، وذلك من ضمن مشروع هائل لآسيا الوسطى.

ولكي تتصل الهند بآسيا الوسطى فهي مجبرة على المرور عبر أفغانستان وباكستان التي تعاني معها صراعاً طويلاً،كما مع الصين. لكن افتتاح مرفأ شابهار الإيراني في العام 2017 أتاح للهند الالتفاف على الممر الصيني-الباكستاني وتأمين التبادل التجاري مع أفغانستان وتفادي الابتزاز الباكستاني.

وتتطلع الهند إلى شركاء آخرين كروسيا وإيران اللتين تخططان لإقامة طريق متعدد الوسائط يصل ما بين مومباي وسان-بيترسبورج عبر طهران وباكو. هذا المشروع يحيي التجارة الثنائية بين الهند وروسيا . والطريق الثلاثي بين الهند وبورما وتايلاند يسمح لمنطقة الشمال الشرقي الهندية بالانفتاح على طرق جديدة نحو آسيا الجنوبية-الشرقية وهو أمر حيوي للصادرات الهندية.

بالنسبة للمحيط الهندي، يزعج وصول الصين إليه نيودلهي التي ترى كيف تتكاثر تجهيزات الموانئ، حيث تتزاحم السفن الصينية. مرفأ جوادار الذي مولته وتديره الصين يمكنه أن يستقبل بوارج حربية صينية في حالة نزاع عسكري. في يوليو 2017 وقعت الصين مع سيريلانكا عدة اتفاقات لتجهيزات موانئ في هامبانتوتا، وفي نهاية العام 2016 وقعت اتفاقات مع مرافئ بنجلادش بقيمة 21 مليار دولار، وعقود بناء البنى التحتية الساحلية التي تنقل الهيدروكربونات نحو مصافي شيتونج أعطيت بدورها للصينيين في أكتوبر 2017.

برنامج اتصال البنى التحتية يزيد أيضاً من النفوذ الاستراتيجي للصين في مناطق المحيط الهندي وخليج البنجال وبحر عمان. هذا النشاط الصيني يقلق الهند التي تتوجس من الاستخدامات العسكرية المستقبلية لهذه البنى التحتية. كذلك تشعر الهند بالقلق حيال الرواق الصيني-الباكستاني الذي يضم مشاريع في كشمير التي تعتبرها الهند جزءاً منها.

الموقع الجغرافي لباكستان يحرم الهند من منفذ مباشر نحو أفغانستان، ما يحد من صعودها كقوة برية وبحرية. وفي آسيا الجنوبية-الشرقية فإن حقيقة أن الهند تضم ثلاثة أرباع السكان والناتج الإجمالي المحلي والمساحة الأرضية تدفع الدول الصغرى كسريلانكا وبورما وبنجلادش لموازنتها عبر الانفتاح على الصين. والموانئ العديدة (عقد اللؤلؤ الصيني) لهذه الدول تحدّ من قدرة الهند على السيطرة على المحيط الهندي.

ونظراً للموقع الاستراتيجي لآسيا الجنوبية-الشرقية، حيث يمر 40% من التجارة العالمية العابرة للأوقيانوس، فإنها تضحى مركزية لكل اندماج اقتصادي وجيواستراتيجي، وهذه المركزية ليست فقط تجارية في منطقة تضم دولاً عديدة أعضاء في منظمات إقليمية إلى جانب الهند التي تشعر بضعف موقعها فيها بسبب الأجندات الصينية.

ما تزال ندوب الحرب الصينية-الهندية في العام 1962 والحروب الهندية-الباكستانية العديدة ظاهرة، لذلك فإن البنى التحتية والطرق لا تهدف فقط للاندماج الإقليمي ولكن أيضاً للدفاع. وطالما يبقى الخلاف الحدودي الصيني-الهندي موضع نزاع مضمر مضافاً إلى الصراع الهندي-الباكستاني فمن الصعب جداً الوصول إلى ثقة متبادلة ضرورية لكل مشروع بناء مشترك عابر للحدود.

لذلك، فإن مشاريع الربط ما بين العملاقين لا تبدو ممكنة ومشروع الطريق السريع الذي يصل شنجهاي باسطنبول عبر دلهي لم يبدأ العمل به بعد، ومشروع الطرق السريعة بين بنجلادش والصين والهند وبورما لا يبدو أنه سيرى النور في المدى القريب. وإذا كان الأمر ليس دراماتيكياً كون 90% من التجارة الدولية تمر عبر البحار، فلا شك أن تحول دول آسيا الجنوبية-الشرقية وجوارها، الشركاء الاقتصاديين والاستراتيجيين لنيودلهي، إلى دول تابعة للصين يضعف موقع الهند وإمكانية صعودها كقوة عظمى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"