انعتاق السودان من القيود

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

سيظل الرابع عشر من ديسمبر في عام الوباء، من بين الأيام الفاصلة في تاريخ السودان، عندما يأتي فيما بعد مَنَ يتوقف أمام هذا اليوم في مسيرة الخرطوم. 

ففي يوم الاثنين الموافق 14 من هذا الشهر، أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. 

وقد كان الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس وزراء السودان، أقرب إلى الصدق منه إلى أي شيء آخر، حين علق على ما أعلنه الوزير الأمريكي بومبيو، فقال إن القرار الذي اتخذه الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب «يمثل انعتاقاً من الحصار الدولي والعالمي، الذي أقحمنا فيه سلوك النظام المعزول»، ثم كان يتكلم بصدق أيضاً وهو يضيف: «اليوم نعود إلى الأسرة الدولية بكامل تاريخنا، وحضارة شعبنا، وعظمة بلادنا، وعنفوان ثورتنا، دولة محبة للسلام وقوة داعمة للاستقرار الإقليمي والدولي». 

والذين طالعوا القرار منشوراً في الصحف، لا بد أنهم يعرفون أن الرئيس الأمريكي أصدره قبل الإعلان عنه بشهر ونصف الشهر، ثم كان عليه أن ينتظر هذه المدة؛ لأن من حق الكونجرس في واشنطن أن يعترض خلالها، فلما لم يحدث هذا صار القرار نافذاً وصحيحاً.. ولو أن أحداً في الكونجرس اعترض خلال تلك الفترة، فإن الاعتراض كان معناه عودة القضية إلى مربعها الأول. 

والقضية هي أن وضع السودان على هذه القائمة كان قد جرى في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، ومنذ جرى ذلك في عام 1993 بدت الخرطوم أمام نفسها وأمام العالم، وكأنها مقيدة اليدين والقدمين، وعاجزة عن الحركة نحو كل اتجاه ترغب في الذهاب إليه. 

وعندما سقط نظام البشير في السنة الماضية، فإن الأمل راح يحدو حكومة حمدوك في رفع الاسم من قائمة هي سيئة السمعة بطبيعتها. 

ولأنها كذلك، فإنها تشل حركة أي بلد يقوده سوء حظه إلى أن يكون فيها، وتجعله يدور في مكانه طوال الوقت دون عائد يرتجيه من كل خطوة يخطوها، ولماذا لا تكون هكذا، وهي تجعل كل مستثمر أجنبي يفكر كثيراً قبل الذهاب إلى أي بلد يجد اسمه ضمن هذه القائمة اللعينة. 

والمستثمر في مثل هذه الحالة لا يفكر كثيراً أو طويلاً وفقط، ولكنه يظل يتردد بعد طول التفكير، ثم لا يذهب في نهاية المطاف، مفضلاً الابتعاد عن بلد هذا هو حاله، راغباً في الاستقرار على أرض بلد لا يكون اسمه في قائمة من هذا النوع. 

ولذلك فلقد كان حمدوك يعنيها حين استخدم كلمة «انعتاق» في وصف حالة السودان، وهو يغادر قائمة طال بقاؤه فيها حتى وصل إلى 27 عاماً بالتمام.

إنه انعتاق بكل ما تعنيه الكلمة، وبالذات على المستوى الاقتصادي الذي بغير الحركة الحرة عليه، لا يستطيع البلد أن يفي بحاجة المواطن ومتطلباته، ولا يستطيع أيضاً أن يتحدث مع المنظمات الاقتصادية العالمية، كالبنك الدولي والصندوق على سبيل المثال، بالطريقة التي يجب أن يتحدث بها. 

الآن صار في مقدور الأشقاء في السودان أن يودعوا مرحلة عانوا خلالها في ظل البشير، كما لم يحدث أن عانوا من قبل، وأصبح بإمكانهم أن يتكلموا مع المؤسسات الاقتصادية في العالم ب«قلب جامد»، ولم يعودوا مقيدين بأغلال تلك القائمة السوداء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"