قياسيات فرديّة على المجتمعات

00:40 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

عبد اللطيف الزبيدي

هل تنطبق الأمراض «الجسدينفسية» على المجتمعات، على الشعوب والأمم؟ هذا السؤال لا يطرحه عاقل، إلاّ إذا كان يقصد الاستفزاز، بمعنى ما للناس لا يفهمون هذه الحقيقة؟ الجسدينفسية «بسيكوسوماتيك»، من اليونانية: بسيخه، النفس، سوما، الجسد. مثلاً: أزمة الاكتئاب الناجمة عن صدمة عاطفية، إخفاق مهني، فقد عزيز إلخ، يصاب الشخص إثرها بازدياد إفرازات الغدة الدرقية، بعده ببضعة أشهر يتساقط الشعر، يتسارع نبض القلب، تتعرّق راحتا اليدين، يضطرب الأكل والنوم، وفي الحالات القصوى وإهمال العلاج، جحوظ العينين...

ألم يحن الوقت لإدراك أن ذلك يحدث تماماً للشعوب والأمم، عندما تصاب بهزّات سياسية، اقتصادية، أمنية، تسبب لها الإحباط وانكسار الإرادة، وانهيار الطموح والمعنويات، وإذا كل ذلك يتجسد تصحراً وجدباً في ساحات النمو والتنمية؟ لا مجال للشك في هذه الصور الطبيعية، وما ذلك إلا نفحة من نفحات ابن خلدون وأرنولد توينبي، فإذا كانت الحضارات تولد وتموت، تنشأ من فكرة كأنها الجاذبية التي توحدها، فتغدو شموساً مشرقة، ثم تأفل، فإنها تنطبق عليها مراحل الكائن الحي، الذي يعيش الصحة والاعتلال، فترات القوة والضعف، الرخاء المتوسع، والانكماش المتقلص.

 إذا صح القياس، فإن طرائق الوقاية والعلاج تصح، بلا شك. تسأل: كيف تكون الوقاية؟ على الأنظمة الحيلولة دون التهميش، ذلك بتكافؤ الفرص في التعليم الجيّد، لأن الطبقية في التربية والتعليم هي الأنكى من بين كل أشكال الطبقية. صحيح أن الناس يأتون إلى الدنيا غير متساوين، لكن أبناء الشوارع والمشردين اجتماعياً مسؤولية الدول. حين تتكافأ الفرص التعليمية، تنفتح الآفاق وسبل الابتكار والإبداع أمام الجميع، فالعبقرية والتألق والتفوق، ليست حصراً ولا قصراً على طبقات دون غيرها. ضمان العدالة الاجتماعية خير وقاية ضد الأمراض النفسية الاجتماعية. هذه هي التي تؤدي إلى كارثة «لا بد للمكبوت من فيضان». القضاء على الفساد المالي والإداري، يحتل هو الآخر مكانة كبيرة في أعظم أساليب الوقاية والعلاج، وإن كان أصعبها منالاً، لأن «النفوس تتحدى النصوص». لكن تشديد الضوابط والمراقبة يؤتي ثمرات طيبة في كل الأحوال.

 إذا نظرت البلدان المتعثرة في التنمية إلى تردّي أوضاعها في جميع المجالات، كحالات مرضية باثولوجية، وأتت بمتخصصين، كل واحد في علة محددة، فأخضعوا البلد لفحص شامل، فشخّصوا كل الأدواء ووصفوا الدواء والخطة الزمنية للعلاج، فلا شك في أن الجسم يستجيب للوصفات، وترتفع المعنويات، وتتسنى إعادة التأهيل.

 لزوم ما يلزم: النتيجة المناعية: أفضل أنواع الوقاية والعلاج، تقوية المناعة.

abuzzabaed@gmail.com

عن الكاتب: