العراق الجريح

01:21 صباحا
قراءة دقيقتين

صادق ناشر

التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف سوقاً شعبية في منطقة ساحة الطيران وسط العاصمة العراقية بغداد؛ شكل انتكاسة للجهود التي تبذلها حكومة مصطفى الكاظمي، خاصة وأنها جاءت في ظل ظروف استثنائية يعيشها العراقيون من جرّاء استمرار الاحتقان السياسي، الناتج عن صراع بين القوى المدنية والميليشيات التي ترغب في إبقاء الأوضاع تحت تهديد الإرهاب.

 سقوط ما يزيد على 130 شخصاً بين قتيل وجريح؛ يعد خرقاً أمنياً خطراً؛ لأنه يشهر تحدياً كبيراً أمام حكومة الكاظمي، التي تجاهد من أجل تطبيق خطتها؛ القاضية بتجريد الميليشيات من أسلحتها غير الشرعية وإبقائها تحت سيطرة القوات المسلحة والأمن.

على الرغم من الاحترازات والإجراءات الأمنية المشددة، تمكن شخصان من تفجير نفسيهما أثناء ملاحقتهما من قبل القوات الأمنية في منطقة الباب الشرقي، وهي مزدحمة بالتجمعات البشرية، ما يعني أن هذه الإجراءات لا تزال تحتاج إلى ضوابط أكبر من شأنها منع وقوع مثل هذه الجرائم، خاصة وأن وكالة الاستخبارات كانت أعلنت مطلع يناير الجاري عن تدشين عملية أمنية؛ لنزع السلاح غير المرخص، بعد أن بدا أن هذا السلاح سوف يسبب أزمات للعراق، ليس فقط في الداخل؛ بل أيضاً مع الخارج؛ حيث تزايدت التهديدات من قبل الميليشيات المسلحة باستهداف المصالح الأجنبية في البلاد، ومعها تحول العراق إلى ساحة لتصفية حسابات لدول أجنبية.

 لم يجانب الرئيس العراقي برهم صالح الصواب عندما أشار إلى أن «الجماعات الإرهابية المنفذة لتفجيري بغداد، تستهدف الاستحقاقات الوطنية»، ويقصد بذلك الانتخابات التشريعية، المقرر أن تشهدها البلاد بعد أشهر قليلة، وهي خطوة تحتاج من الحكومة وكافة الأطياف السياسية إلى العمل بشكل أكثر جدية لإنجاحها؛ لأنها تقود البلاد إلى بر الأمان.

 قطع الساسة العراقيون، سواء من هم في الحكومة أو في الأحزاب الفاعلة في الساحة، وعوداً بشأن عملية جراحية لا بد من إجرائها؛ تهدف إلى تنفيذ إصلاحات سياسية كبيرة، إلا أن فوضى السلاح لا تزال قائمة، وصار من الصعب على القيادة التحكم بمساراتها ومآلاتها، ويخشى أن تنفلت الأوضاع إلى ما هو أسوأ من ذلك، بعد أحداث الخميس الماضي، التي لا شك ستلقي بظلالها على الوضع بأكمله.

 مكمن الخوف أن البلاد لا تزال غير قادرة على التعافي من تداعيات الاحتلال الأمريكي، والتي لا تزال تلقي بمآسيها على بلد كبير مثل العراق؛ حيث لم تستطع كل الحكومات المتعاقبة على إدارته، أن تنجز شيئاً جوهرياً وكبيراً يعيده إلى حاضنته العربية والقومية؛ بل إن الوضع يزداد سوءاً في ظل تمدد التنظيمات والتجمعات الإرهابية في أكثر مدنه وقراه، حتى أن العراق أصبح غير قادر على التخلص من إرث المحاصصة المذهبية التي صارت عنواناً لمرحلة ما بعد الاحتلال.

ربما لهذه الأسباب كان من الطبيعي أن يتخذ الكاظمي قراراً بحرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب الذي ضرب العاصمة بغداد؛ لأن التهاون في ذلك، ربما يقود الأوضاع إلى ما هو أسوأ، خاصة وأن هناك من يتربص بالعراق، لتحويله إلى ساحة للفوضى والعنف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"