«جنيف 5».. فشل جديد

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بات من المؤكد أن اللجنة الدستورية السورية تعيش في وادٍ غير ذلك الذي يعيش فيه آلاف النازحين الذين لا يجدون سوى الأرض بساطاً، والسماء لحافاً، في ظل وباء عالمي، وبرد قارس يزيد أوضاعهم سوءاً، بينما الساسة يتنقلون بين فنادق جنيف، متفقين على ألا يجد الوفاق إليهم طريقاً. والمفارقة أن كل طرف يُلقي بتبعات الفشل على الآخر لتنتهي اجتماعات جنيف، كما بدأت، ب«خيبة أمل» لم يتمكن المبعوث الأممي جير بيدرسون من إخفائها.

اللجنة الدستورية التي أُسست عام 2015، بناء على قرار الأمم المتحدة رقم 2254، كان الهدف منها مراجعة دستور 2012، وإعداد انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، إلا أنها لم تحقق شيئاً من ذلك، على الرغم من اجتماعاتها على مدار الأعوام الخمسة المنصرمة؛ بل إن الهوة بين مكوناتها تزداد عاماً بعد آخر، من دون أن تلوح في الأفق بارقة تفاؤل تنتشل البلاد مما تعانيه من أزمات على النواحي كافة، لاسيما الاقتصادية، بعد أن هوت الليرة السورية إلى مستويات متدنية في ظل تضخم غير مسبوق، ليكون المواطن السوري، كالعادة، هو الضحية. 

سنوات الصراع التي جاوزت العقد، وعلى الرغم من مآسيها، لم تكن كفيلة بأن تشفع لدى الأطراف السورية المتصارعة بأن تجد حلاً للبلاد ينتشلها من براثن الأطماع الإقليمية والدولية. والغريب ألا نقاط تلاقٍ بين الطرفين، فبينما تُصر المعارضة على الموافقة على مبادئها التسعة من دون التنازل عن أي منها، لاسيما السيادة والحريات، يؤكد الوفد الحكومي عبر كبير مفاوضيه أحمد الكزبري، أن المبادئ المطروحة لا بد من مناقشتها، كلٌ على حدة، ولا بد كذلك من الموافقة عليها، وبين الرؤيتين يقفل «جنيف خمسة» بانتظار ما ستؤول إليه الأيام القادمة.

تباين الرؤى بين أطراف اللجنة الدستورية مردّه إلى أمرين، أولهما: أن كل فريق بات على يقين أن حل الأزمة لن يكون بين عشية وضحاها؛ لذا لا مانع لدى كل منهما من «جنيف سادسة» وربما عاشرة، وثانيهما: أن الأطراف الداعمة لكل فريق لم تحدد بعد رؤيتها لمستقبل الصراع، والآلية التي ينبغي أن يُصاغ على أساسها الدستور الجديد، إلى جانب وجود رغبة تركية في إفشال أي توافق سوري، على غرار ما تفعله في ليبيا، بالتدخل على الصعيدين السياسي (عبر فرض رؤيتها من خلال الموكلين من قبلها)، والعسكري بإمداد مرتزقتها بالمال والسلاح في المناطق التي يسيطرون عليها، حتى إنها لجأت في الفترة الأخيرة، إلى الإيعاز لهؤلاء باعتقال مخالفيها واقتيادهم إلى محاكمها ليعاقبوا وفقاً لقوانينها بإيداعهم السجن مدى الحياة. 

التدخل العربي لإيجاد حل للأزمة السورية، بات ضرورة مُلحة؛ إذ إن ترك سوريا فريسة لأطراف إقليمية ودولية تتجاذبها، وفقاً لمصالحها، سيزيد من توالد التنظيمات الإرهابية التي ربما يتجاوز وبالها الحدود السورية؛ لذا فإن العرب معنيون قبل غيرهم بحل المعضلة السورية، وفي النهاية لن يكون لسوريا من موئل تلوذ به من الأطماع الخارجية سوى حاضنتها العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"