مؤتمر ميونيخ والعصا الأمريكية

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

على غير عادته عُقد مؤتمر ميونيخ للأمن في ظل غياب لاعبين مؤثرين؛ هما: روسيا والصين؛ حيث لم توجه لهما دعوة لحضوره، وهو ما يثير تساؤلاً حول آلية العلاقات التي ستتبعها الدول، التي التأمت افتراضياً بسبب «كوفيد19»، تجاه هاتين الدولتين، لاسيما أن بايدن أراد أن يؤكد ل«حلفاء واشنطن التقليديين» عودة بلاده للساحة العالمية مجدداً، بعد حالة العزلة التي انتهجها سلفه ترامب مع حلفائه، دون أن ينسى أن يُضمن خطابه دلالات رمزية في ظاهرها طبيعية؛ لكنها تحمل في طياتها رسائل شديدة اللهجة، ولعل من أبرز تلك الدلالات مشاركة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في المؤتمر كرمز لعصا واشنطن التي ستطلقها على كل من يخالفها الرأي.

 المفارقة أن «مؤتمر ميونيخ للأمن» الذي يُعقد دورياً كل عام؛ لبحث القضايا الأمنية في العالم، خالف مسماه، وحمل مخاوف عدة من قبيل عودة التحالفات العالمية. وعلى الرغم من أن بايدن حاول طمأنة العالم بأنه لن يعود إلى «تكتّلات الحرب الباردة الجامدة»، فإن مجريات المؤتمر منذ انطلاقه تصب في هذا الجانب من نواحٍ عدة؛ منها أنه لم تتم دعوة موسكو وبكين إليه إلى جانب دول شرق أوسطية عدة، وهو ما يؤشر إلى أن هنالك نهجاً جديداً للأمن تتبناه الدول المجتمعة، إلى جانب تصريحات بايدن أكثر من مرة عن رؤية بعيدة النظر للتحالف؛ بحيث يتجاوز ضفتي الأطلسي لمناطق أخرى تعد نفوذاً لروسيا، وهو ما يوحي بأن الرجل لن يسير إلى جانب الحائط خلال فترة ولايته، وقد يصطدم مع موسكو والصين في معارك النفوذ العالمية. 

 مؤتمر ميونيخ للأمن كان أشبه بعودة للحالة العالمية التي كانت سائدة قبيل جائحة «كورونا»، والدول المجتمعة أرادت المهادنة فيما بينها؛ للوصول إلى رؤية على الرغم من أنها ضبابية في بدايتها فإنها تنبئ بأن العلاقات ستعود وربما بوتيرة متسارعة إلى سابق عهدها بين أمريكا من ناحية والأوروبيين من ناحية أخرى، وفي الوقت ذاته ستعود الأزمات السياسية إلى سابق عهدها كذلك بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وهو ما يؤكده حث بايدن المستمر أكثر من مرة لحلفائه بالاستعداد لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصينية، إلى جانب اتهامه المستمر لموسكو حين قال: «الكرملين يهاجم ديمقراطياتنا... يستخدم الفساد كسلاح لمحاولة تقويض نظام حكمنا»، وإن الرئيس الروسي بوتين «يسعى لإضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي».

 «ميونيخ للأمن» تتلخص مخرجاته في رؤيتين للمشهد العالمي؛ أولاهما أن الأوروبيين الذين كانوا يهادنون موسكو فيما مضى بعد تخلي إدارة ترامب عنهم عادوا لسابق عهدهم بمناصبتها العداء، واتهامها بممارسات غير ديمقراطية، وهو ما يؤكده حالات طرد الدبلوماسيين بين الطرفين منذ أن أخذت أوروبا الضوء الأخضر من واشنطن بأن المياه بينهما عادت لمجاريها، وثانيهما أن بكين وموسكو لن تجدا بُداً من اللجوء لتحالفات لمواجهة التمدد الغربي تجاه مصالحهما، وبين الرؤيتين يقف الأمن العالمي مهدداً ليكون العنوان لا أمن بعد ميونيخ للأمن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"